أمسيت تلك الليلة مرهقا بعد ساعات من التعايش مع مجتمع يعد فيه انتماؤك القبلي أحد أهم الركائز التي على أساسها يمكن قبولك من معظم أطياف هذا المجتمع وتفاعلها معك، وقد يتحدد فيه مقدار احترامك بحسب تعداد المنتمين إلى قبيلتك "طرديا"، وربما يمكنك الحصول على حقوقك دون الشقاء المعهود، في مقابل وصول عدد من الذين تختم أسماؤهم بما يُختم به اسمك إلى مناصب وظيفية مرموقة ومؤثرة.
في تلك الليلة، كان السائد في طقوس الزواج التي اختص بها مجتمعي، هو تقديم اسم جدك إلى عائلة سبق لك التحقق من اسم وتاريخ جدها الأكبر، لطلب الزواج من فتاة ربما لا يهمك اسمها ولا تاريخها، آخر ما أذكره قبل إغلاق عيني أن غالبية مجتمعي لم تكن تزعجهم تلك التقاليد، ولا أنكر أنني محسوب على هذه الغالبية.
في اليوم التالي، ومع اشتعال قضية عدم تكافؤ النسب التي أثارتها إحدى المواطنات، تحول معظم مجتمعي، ذو الغالبية البدوية، في القنوات ومواقع التواصل إلى مجموعة من المناهضين والناقمين على ذلك الحكم الصادر، تبين لي هذا اليوم مدى التناقض الحاصل في مشاعرنا تجاه أي قضية يثيرها الرأي العام.
قبل إطلاق أحكامك المهينة، قم باختبار جاهليتك في وضع نفسك مكان الطرف المدعي، هل كنت ستألف ذلك الحال؟ إجابتك هي من ستلبس مثاليتك ثوب المصداقية، نسبة إيمانك بالاختلاف هي من تحدد مكانك في وحل العنصرية. مقدار تباهيك بتاريخ رجال لم يربطك بهم سوى الاسم هو ما يوضح مستوى فكرك وتشبثك بما تزعمه دينا.
هل تساءلت يوما عن عدد القنوات والبرامج المتخصصة في ترويج العنصرية القبلية عن طريق القصائد؟ بالطبع إن كنا صادقين في نبذ العنصرية؟!
أيها المطالبون بإلغاء قضية عدم تكافؤ النسب، العيب الذي تبحثون عنه ليس في شرائع الإسلام وقوائم قضايا المحاكم، بل متوغل في عقول من أجبرنا على نص هذه القضية حفاظا على دماء الجاهلين، فإذا كنتم ساخطين فوجهوا سخطكم تجاه أنفسكم ومن يحيط بكم.
أحد أصدقائي، عندما تحدثنا عن هذه القضية قال: إنه علق في ذلك الوسم بهذه العبارة: "براءٌ أنت يا رسول الله مما يفعله سفهاؤنا باسم الدين"، ولكنه حينها كان في سيارته يستمع إلى شيلة تمتدح قبيلته!