إن "تطرف" الشباب المسلمين في الغرب ليس نتيجة فهم "متطرف" للإسلام فحسب، بل ناتج أيضا عن أفكار اليساريين الغربيين، القائمة على النسبية الأخلاقية التي أصبحت الدين الافتراضي للغرب اليوم. فالأفكار السياسية التقليدية لليسار في الغرب هي بوابة الشباب المسلمين لتبني "التطرف".
هناك كثير مما كُتب بشأن كيفية تحول الشباب المسلمين من الطبقة الوسطى في الغرب -أحيانا يكونون ممن ولدوا في دولة غربية لأسر ليست بالضرورة متمسكة كثيرا بالدين- إلى "الجهاد" مثل محمد إموازي، ونضال مالك حسن، ونجم العكراوي، والأخوين تسارنايف أو سيد فاروق "منفذ تفجير سان برناردينو بولاية كاليفورنيا".
صحيح أن هناك من الدعاة المسلمين الذين أخذ منهم هؤلاء الشباب "أفكارا إسلامية" مثل اليمني الأميركي أنور العولقي، وداعية مولنبيك خالد زرقاني، ومنشورات تنظيم داعش، لكن "يجب ألا ننسى أن هؤلاء الشباب هم في الوقت نفسه أبناء الغرب، تعلموا في مدارسه وتعرضوا لنفوذ كثير من الاتجاهات الفكرية الغربية".
وإن أفكار اليساريين مثل: نعوم شومسكي، وفرانز فانون، والأفلام على شاكلة فيلم "فهرنهايت 9/11" لمايكل مور، والتي تدعو إلى التعدد الثقافي والنسبية الأخلاقية، والحديث عن اضطهاد السود والمسلمين والمهاجرين وغيرهم من الأقليات والطبقات الفقيرة، وكذلك الأخبار اليومية عن معاملة الجنود ورجال الشرطة الأميركيين والبريطانيين والإسرائيليين لجمهور الفئات المذكورة، جميعها تمارس نفوذا فكريا على هؤلاء الشباب.
وإذا كان الإسلام بالنسبة لهؤلاء الشباب هو المصدر الذي اختاروه بأنفسهم، فإن الأفكار السياسية لليسار الحديث في الغرب هي بوابتهم للأيديولوجيا التي يتبنونها.
شبَّه آخر إصدار من المجلة الإلكترونية التي يصدرها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، يتضمن كيفية صنع قنبلة يدوية خطوة بخطوة، وتحليلا لمذبحة شارلي إيبدو، ومادة طويلة عن اضطهاد السود في الولايات المتحدة، وأحاديث من قادة تنظيم القاعدة يدعون فيه الغرب إلى ترك العالم الإسلامي يدير شؤونه بنفسه.
ومحتوى هذه المجلة لا يختلف عما يقوله اليساريون في الغرب، عن أن الغرب هو الجلاد الدائم، وبقية العالم هو الضحية باستمرار، وأن هذه الأفكار المتطابقة إذا قالها غير الغربيين "نسميها متطرفة وإرهابية"، وإذا ظهرت في مقالات بصحيفة "الجارديان" البريطانية "فسيوافق عليها كثير من القراء بكسل ذهني ودون أي اعتراض، أو يعاملها آخرون بلا مبالاة".
وإن الأفكار نفسها إذا رددها يساريون في الغرب تلعب دور "التطهير النفسي"، لكنها تلعب دورا "إرهابيا" عندما تتحول إلى عمل وتنفيذ على يد الشباب المسلمين.