يدرك العالم اليوم أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-السياسي المحنك- زعيم قويّ لدولة قوية، أسهمت على مدى تاريخها بالتأثير في هذا العالم على مختلف الأصعدة، ولن تكون في يوم خارج إطار هذا التأثير مهما كلّف الأمر.

ورغم ما يمرّ بالعالم اليوم من ظروف سياسية واقتصادية وأمنيّة عصيبة، إلا أن المملكة العربية السعودية أخذت على عاتقها القيام بدورها التاريخي المعتاد، ولكن بشكل مباشر هذه المرة، عبر حماية الأمن القومي العربي الذي هي جزء أساسي فيه.

وقد دشّن الملك سلمان بن عبدالعزيز في بداية حكمه هذا الهدف الإستراتيجي القائم على حماية الأمن القومي من أي عبث محتمل، من خلال عملية عاصفة الحزم التي فاجأت الجميع وأعادت الموازين إلى نصابها، بعد الخطر المتمثل في طموح إيران للتوسع الإقليمي، وخطر الجماعات الإرهابية، الذي أتاح إعادة النظر بضرورة الحزم في تأمين حدود الوطن الخارجية، ليس للمملكة فحسب بل للعالم العربي كله.

وتعتبر التطورات الأخيرة، المتمثلة في زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى مصر ثم تركيا ذات دلالات عدة: فعلى الجانب المتعلق بالشأن المصري، كانت الزيارة ردا قويا على محاولي التشكيك في العلاقة الإستراتيجية التي تربط البلدين، وأن هذه العلاقة ليست مرتبطة بموقف أو زمن معين، إذ نتذكر أن المملكة منذ اللحظ الأولى لاندلاع ثورة 25 يناير في مصر قد وضعت كل ثقلها وإمكاناتها تحت تصرف جمهورية مصر العربية، بغض النظر عن نظام الحكم، وهذا ما استمر إلى يومنا هذا.

غير أن زيارته إلى القاهرة مؤخرا قد خلقت انطباعا بأن هذه العلاقة أصبحت أكثر عمقا على المستوى الإستراتيجي، وخاصة عقب الظروف السياسية التي عاشتها المنطقة العربية، والتي أدت إلى استشعار الخطر على الأمن القومي العربي، وازدياد تعقيدات هذا الخطر؛ مما أتاح تسريع ولادة القوة العربية المشتركة، من خلال الإعلان عن التحالف العربي الذي بدأ بعملية عاصفة الحزم في اليمن، ثم التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي شُكل وتوجت جهود تشكيله بمناورات "رعد الشمال" قادت فيها المملكة العربية السعودية 39 دولة إلى هدف واحد هو محاربة الإرهاب والخطر الخارجي.

إن التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والثقافة مشتركات عميقة تجمع الشعوب العربية والإسلامية، وعلى هذا الأساس كان لزاما إعادة صياغة التاريخ والجغرافيا نحو هدف موحد، وهكذا تحققت إعادة صياغة الجغرافيا العربية بتدشين مشروع جسر الملك سلمان بن عبدالعزيز البري الذي سيربط بين المملكة ومصر عبر البحر الأحمر، والذي لن تنحصر أهميته في المستوى الجغرافي، بل ستكون له فوائد سياسية واقتصادية وسياحية واجتماعية وأمنية، وقد دفع في هذا الاتجاه وجود توافق إستراتيجي عميق بين المملكة والأردن والإمارات.

وثمة ميزة سوف تسهم بقوة في إعادة صياغة الجغرافيا والتاريخ في الاتجاه من جديد وتدفع به للقفز على كل العوائق التقليدية، ألا وهي شخصية خادم الحرمين الشريفين الكاريزمية القادرة على الفعل، حيث يحظى الملك سلمان بن عبدالعزيز بقبول وتأثير عالميين، وتحمل أفكاره المتطلعة بثقة وشجاعة إلى إعادة الاعتبار العربي والإسلامي احتراما وتقديرا في كل الدول، وبالتالي هنالك فرصة لإذابة الفوارق واختلاف المصالح بين الدول ذات المشتركات العريقة، لإيجاد أرضية مشتركة يتم الانطلاق منها إلى المصلحة العامة، وخاصة في ظل التطلع إلى ولادة محور هام جدا، وهو المحور المرتقب الذي تشكل فيه السعودية ومصر وتركيا الثقل الأهم، لأن في هذه الدول الثلاث بالذات مزايا من الثراء لا توجد في غيرها، وقد نجحت المملكة في الدفع قدما نحو هذا الإستراتيجية، بما يمثل أعمق أشكال الحماية للعمق العربي والإسلامي، ويُنتظر أن يكون هذا المثلث حليفا إستراتيجيا مستقبليا تحكمه المصالح والأبعاد المشتركة ليسهم في وقف الأطماع والأخطار الإقليمية.