الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية لعبت دورا في تاريخ سورية. ولكن الآراء اختلفت كثيرا حول مدى أهمية هذا الدور، وحول وجود هذه المسألة أصلا. ومال معظم الذين أثاروا المسألة الطائفية، إلى الخلط بشكل كبير بين التعددية الدينية، أي انطواء المجتمع على تنوع ديني كبير، يتسم إلى حد أو آخر بالانسجام أو الصراع، وسيطرة إحدى هذه الفرق أو الجماعات الدينية على مقاليد الأمور في السلطة، أو على مواقع رئيسية منها في سبيل تأمين منافع استثنائية وخاصة لا يسمح بها القانون.
وثمة أطروحة تقول إن الطائفية تنتمي إلى ميدان السياسة لا إلى مجال الدين والعقيدة، وأنها تشكل سوقا موازية، أي سوداء للسياسة، أكثر مما تعكس إرادة تعميم قيم أو مبادئ أو مذاهب دينية لجماعة خاصة.
ومن هنا، عرِّفت الطائفية بأنها مجموعة الظواهر التي تعبر عن استخدام العصبيات الطبيعية، أي ما قبل السياسية، الدينية منها والإتنية والزبائنية المرتبطة بظاهرة المحسوبية أو المافيا، في سبيل الالتفاف على قانون السياسة العمومية أو تحييده، وتحويل الدولة والسلطة العمومية من إطار لتوليد إرادة عامة ومصلحة كلية، إلى أداة لتحقيق مصالح خاصة وجزئية.
في المقابل، ثمة من اعتقد أنه استنادا إلى الطائفية والإقليمية والعشائرية يستطيع "أعداء الشعب" و"الاستعمار" و"الرجعية العربية" تحقيق عدة أهداف أهمها: "إذكاء صراع داخلي في المجتمع يلهي الشعب"، و"تقسيم المجتمع عموديا"، و"تعطيل إمكان النضال القومي".
واستنادا إلى تصنيفات دينية وقومية-إثنية وأكثرية وأقلوية، تكونت بنية المجتمع السوري من لوحة الفسيفساء التالية:
السنة والعلويون "الخياطين والحدادين والمتاورة والكلبية والمرشديين والحيدريين والكلازية"، والإسماعيليون، والشيعة الإثناعشريون، والدروز، والأيزيديون والمسيحيون "بروتستانت، لاتين، موارنة، روم أرثوذكس، روم كاثوليك"، والأرمن "غريغوريون وكاثوليك"، ونسطوريون، وآشوريون، وكلدان، وسريان، ويهود، وعرب، وأكراد، وأشوريون، وآراميون، وتركمان، وشركس، وقبائل، وعشائر، وبدو، وغجر.
وقد قامت منظمة "اليوم التالي"، وهي منظمة سورية تعمل على دعم الانتقال الديمقراطي في سورية، بإجراء "أول" مسح ميداني شمل 2498 شخصا: 1424 رجلا و1047 امرأة، شكّل إطلالة مهمة ومؤشرا على المواقف السورية إزاء المسألة الطائفية في سورية، وذلك في ظل ظروف الحرب وصعوبات كثيرة منها: تعذر الوصول إلى كثير من المناطق، سواء بسبب الحرب أو بسبب سيطرة قوى مسلحة، وتكونت الدراسة المسحية من: مقدمة و6 فصول وخاتمة وتوصيات.
وعالج الفصل الأول إدراك وتقييم الحالة الطائفية في سورية، إذ لا يعتقد معظم المستفتيين أن وجود كثير من الطوائف في سورية يشكل مشكلة قائمة بذاتها، بل على العكس، نسبة كبيرة منهم 39.1 % ما تزال تَرى في هذه التعددية مَسألة إيجابية. وعرَّف 37.4 % من المشاركين في الاستطلاع الطائفيةَ بأنها تمييز سلبي أو إيجابي لمجرد الانتماء إلى طائفة أخرى، إلا أن نسبة لا بأس بها تربطها بالمظاهر العدائية والعنيفة 19.0 %.
وحول علاقة الفرد مع الطائفة، وجد أن السويداء والحسكة تأتيان في المقدمة، تليهما حمص ودمشق وريفها، وبفارق كبير جدا عن باقي المناطق. كما أنها ترتفع بشكل كبير مَع الانتقال من أقصى الإسلام السياسي إلى أقصى العلمانية.
وتبين أن نصف السنّة أشاروا إلى العلاقة بين السنة والعلويين كأول ما يخطر على بالهم عند ذكر المشكلة الطائفية في سورية، وذكر نحو نصف الإسماعيليين والدروز العلاقة بَينَ كل الطوائف فيما بينها. بينما توزعَت إجابات العلويين والشيعة بشكل رئيسي بين خياري "العلاقة بين السنة والعلويين" و"العلاقة بين السنة والأقليات عموما".
وأشار نحو ثلاثة أرباع المشاركين في الاستطلاع إلى أنهم تَعرضوا للتمييز الطائفي شخصيا، أو أحد أفراد العائلة أو الأقارب، فقط 28.5 % قالوا إنهم لم يتعرضوا أبدا لذلك، وتعتقد النسبة الأكبر والتي بلغت 67.6 % من المشاركين في الاستطلاع، أن هناك طائفة أو أكثر تستفيد من السلطة أكثر من غَيرها.
وتمثل النتائج التي خلصت إليها الدراسة، بعض الآثار المتعلقة بالسياق السياسي الحالي والاعتبارات المستقبلية لسورية، وتتلخص في: أن معظم المشاركين في الاستطلاع "65.3 %" ما زالوا يريدون دولة تقوم على المواطنة والمساواة، ويعتقدون أنها الحل الأمثل لتجاوز المشكلة الطائفية. وتوضح الدراسة أن الحكومة السورية ومؤسساتها تشكل مصدرا أساسيا للتمييز الطائفي، وتعمل على نشر وتعميق الإحساس بالظلم وعدم الثقة بين الأفراد من مختلف الطوائف.
هناك شبه إجماع سنّي على دعم مظاهرات المعارضة عام 2011، في حين أظهرت معظم إجابات العلويين والشيعة موقفا معارضا لها. أما بالنسبة للمستجيبين المسيحيين والمرشديين فأبدى قسم كبير منهم 48.4 % دعمهم هذه الاحتجاجات، في حين عارضتها نسبة معتبرة من المستجيبين الدروز والإسماعيليين. وتعددت الإجراءات المقترحة للقضاء على الطائفية.
ومن الملاحظ، أن رزمة الحلول والإجراءات المقترحة استبعدت استنساخ "اللبننة"، أي النموذج اللبناني القائم على نظام المحاصصة، واقتسام السلطة بين الطوائف، والذي كان قائما قبل "الحرب الأهلية"، وعُدل بعدها وفق "اتفاق الطائف"، لعدم قابليته للتطبيق في سورية.