في الطريق إلى مطار دبي، تستوقفني في مطار أبها الإقليمي لوحة المغادرة وعليها أسماء خمس شركات طيران مختلفة. وكما قال لي موظف المطار، فهناك في القريب العاجل ستأتي السادسة والسابعة. وهنا لا بد لنا أن نقف ولو للحظة في موقف إنصاف لناقلنا الوطني: الخطوط الجوية العربية السعودية.

في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وفيما راقبت، اختفت موجة الهجوم الحاد وملامح النقد اللاذع على ناقلنا الوطني. ولا يمكن إلا لجاهل أو مكابر أن ينكر أن الخطوط السعودية قد غيرت من جلدها القديم إلى الأبد. أمامي الآن وعلى الشاشة سبع رحلات للخطوط السعودية تقلع بانتظام بالغ الدقة، ولا زلنا ركاب الصالة الدولية المجاورة في ركن الانتظار وأسئلة أسباب التأخير رغم شهرة هذه الشركات الأجنبية.

هنا يبقى السؤال: لماذا تغير جلد ناقلنا الوطني؟ والجواب بكل الاختصار لأنها تحولت إلى منافس في سوق ضخم بدلاً من أن تكون كما كانت من قبل مجرد صندوق للرعاية المجتمعية. وكنت قد كتبت هذا من قبل، ولعدة مرات، أن الخطوط السعودية لن تنجح، ومن أجلنا جميعاً، في هذا السوق إلا إذا تحولت إلى لعبة المنافسة. لا يمكن للخطوط السعودية أن تقدم خدمة لجمهورها الواسع العريق في أكبر سوق اقتصادي بالشرق الأوسط إذا ما كانت تحمل مساكينها بنصف التذكرة لخمسة ملايين طالب. لا يمكن لها أن ترتقي إلى الخدمة الوطنية المطلوبة طالما أننا نعرف أن ثلث مقاعدها السنوية يذهب، وبالتقريب، مجاناً، لملايين الأطفال الذين تشتهر بهم ثقافة سفر العائلة السعودية. لا يمكن لها أن تقدم الخدمة الوطنية المطلوبة طالما كانت لدينا ثقافة "سأذهب للمطار" دون حجز أو ترتيب مسبق وهناك سأدبر الأمر.

اليوم: انتهت اللعبة. لا بد أن نعي أن الخطوط السعودية باتت واحدة من أكثر خطوط الطيران في العالم في الانتظام والدقة، وكل هذا يحدث لأنها باتت في منافسة حادة مع عشرات الشركات، وهأنذا أغادر أبها من مطار إقليمي صغير وأمامي على لوحة المغادرة أسماء خمس شركات منافسة والبقية في الطريق. لا بد لنا أن نستوعب أن الخطوط السعودية ستبيع مقاعدها وفق مبدأ المنافسة ومن بعدها نستطيع أن نحاسبها على الخدمة.