يؤكد كتاب صدر حديثا في أميركا تحت عنوان "الحرب بوسائل أخرى" أن أدوات الحروب في العالم تغيرت كثيرا ولم تعد حروبا سياسة، بل أصبحت الحرب الاقتصادية هي الأداة الحيوية في القرن الحادي والعشرين. ويقول مؤلفا الكتاب، السيد روبرتبلاكويل والسيدة جينيفرهاريس: إن الأسس الاقتصادية للعالم الجديد تفرض تغييرات جذرية ضرورية لرسم السياسات المستقبلية للدول، حماية لمصالحها الوطنية.


 


فن الحكم

بالنسبة للولايات المتحدة تحديدا فإن هذا الكتاب يجيب عن السؤال الدائم للأمن القومي الأميركي: كيف يمكن لأميركا كقوة عظمى الرد على التهديدات العالمية دون اللجوء إلى القوة العسكرية؟

المؤلفان قدما حججا قوية على حاجة أميركا الماسة للاستفادة بشكل أفضل من الأدوات الاقتصادية الحيوية لأغراض السياسة الخارجية أو "فن الحكم" في القرن الجديد، فقد اعتمدت واشنطن أكثر من اللازم – من وجهة نظرهما - على استخدام القوة العسكرية في العقود الأخيرة، لذا على الرئيس القادم أن يأخذ بعين الاعتبار التوازن بين الجانبين الاقتصادي والعسكري، وأن يبتكر وسيلة حقيقية وقوية لتحقيق هذا التوازن المفقود.





 


شحذ الفكر

تكمن أهمية هذا الكتاب في كونه يمنح القارئ العام إطارا للتفكير في كيفية بناء الدول الأخرى (غير الغربية) سلطتها الوطنية التي يبدو أن واشنطن لم تفكر فيها بالقدر الكافي مثل "طرق التجارة" واستخدام التدابير الاقتصادية لتحقيق أهدافها الجيوسياسية. ويطرح تجارب مهمة من الصين إلى روسيا لدول الخليج العربي لا سيما تجارب السعودية والإمارات اللتين استخدمتا القوة الاقتصادية للتأثير في جميع أنحاء العالم. وعلي الرغم من أن الولايات المتحدة تمتلك اقتصادا قويا فإنها تلجأ إلى القوة العسكرية عادة ولا توظف الأدوات الاقتصادية الحيوية في السياسة الخارجية، ما يعرضها لمخاطر فقدان مكانتها كقوة عالمية في القرن الحادي والعشرين. في المقابل استثمرت روسيا والصين الوسائل الاقتصادية الحيوية لتعزيز سلطتها وتقويض النفوذ الأميركي في أنحاء كثيرة من العالم.


 




صراع من نوع آخر

يرى المؤلفان أن الدول أصبحت تتصارع اليوم، جيوسياسيا عبر الوسائل الاقتصادية عن طريق التحكم في كل شيء كالتجارة والاستثمار والتحكم في أسعار الطاقة وأسعار الصرف للعملات كأداة لكسب الحلفاء ومعاقبة الخصوم والإكراه إذا لزم الأمر، بينما لا تزال الولايات المتحدة تستخدم (البندقية) للدفاع عن مصالحها في الخارج، وعواقب هذه السياسة البيروقراطية الأميركية التي تقوم على نظريات قديمة تعود لنهاية الحرب العالمية الثانية أنها تفصل الاقتصاد عن السياسة الخارجية ما أدى إلي انعزال أميركا عن العصر الجديد الذي تتسابق فيه الدول الأخرى على الأدوات الاقتصادية الحيوية، وتتكيف فيه القوى الصاعدة بسرعة مع لغة العصر، حيث يعزى تصاعد التوتر الدائم في العلاقات مع الصين والنزاعات الإقليمية في منطقة آسيا إلي هذا السبب، ناهيك عن أن الحلول العسكرية لإدارة الصراع مع تداعيات صعود الصين كقوة اقتصادية لن تكون ناجعة.




3 أهداف

المؤلفان لديهما خبرة طويلة في السياسة الخارجية للإدارات الأميركية المختلفة التي شملت الحزبين (الجمهوري والديمقراطي). "بلاكويل" شغل منصب نائب مساعد الرئيس، ونائب مستشار الأمن القومي للتخطيط الإستراتيجي، والمبعوث الرئاسي إلى العراق في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وكذلك السفير الأميركي في الهند في الفترة من 2001 إلى 2003. أما جينيفر هاريس فكانت عضو هيئة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية والمسؤولة عن الأسواق العالمية، والقضايا الجيو-اقتصادية وأمن الطاقة. والمهندس الرئيسي لمبادرة فن الحكم الاقتصادي عام 2011 التي أطلقتها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون و(المرشح الرئاسي) 2016.

لذا يحث المؤلفان الإدارة القادمة للولايات المتحدة على أن تولي اهتماما فائقا للتعاون الاقتصادي الحيوي مع الحلفاء والشركاء لا سيما الخليج العربي ودول آسيا بنفس القدر من الاهتمام بالجوانب الأمنية والعسكرية.

ويوصيان بأن تستخدم الولايات المتحدة موقفها كقوة عظمى في مجال الطاقة، خاصة وأن أهم دول منتجة للطاقة هي حليف إستراتيجي لأميركا وذلك لتحقيق كل ممايلي:


أولا: تأمين التجارة والشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادئ وآسيا.

ثانيا: تحقيق الشراكة والتجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلنطي لمساعدة الحلفاء الأوروبيين مثل "بولندا وأوكرانيا".

ثالثا: تحقيق التوازن في السياسات الاقتصادية الحيوية مع الصين وروسيا.


قانون الشرق

يؤكد المؤلفان على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى: استراتيجية اقتصادية للتعامل مع صعود الصين، بدلا من حشد "الناتو" في كل مكان وتطوير التحالف العسكري في آسيا دون دفع الجوانب الاقتصادية قدما إلى الأمام لتحقيق أهداف السياسة الخارجية المشتركة، العالم الآن في عصر الجيوسياسة بامتياز حيث "فن الحكم" عبر الوسائل الاقتصادية الحيوية، فالصين تسمح لصادرات الموز من الفلبين أن تتعفن على الأرصفة كتعبير عن استيائها من مطالبات مانيلا في بحر الصين الجنوبي، بينما تكافئ الشركات التايوانية وتعد كوريا الجنوبية بالمزيد من التجارة والأعمال مقابل رفض سيول للمحاولات المستمرة الأميركية لنشر نظام الدفاع الصاروخي، كما تقلص بكين التجارة مع الحكومات الأوروبية التي تستضيف الدالاي لاما.


 


الشيء نفسه تفعله السعودية والإمارات في وقوفهما اقتصاديا إلى جانب مصر حتى لا تسقط بعد ثورات ما يعرف بالربيع العربي، بينما تعاقب دولا أخرى في المنطقة تقف ضد مصالحها الحيوية وتؤيد بطريق مباشر أو غير مباشر إيران.


 


الهند تحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي تجدد مبادرتها المعروفة باسم "قانون الشرق" مع تشجيع العوامل الجيوسياسية - الاقتصادية بالتأكيد، مع نيبال وموريشيوس، وميانمار، خاصة في مجال الاستثمار والتجارة وبناء خطوط السكك الحديدية الجديدة التي تمتد إلى سري لانكا - كل ذلك في استجابة واضحة لتلك الخاصة باستراتيجية الصين لتطويق حول محيط الهندي.


 


روسيا تهدد أوكرانيا مع عدم سدادها الديون السيادية كوسيلة لحفظ كييف ضمن نطاق نفوذ موسكو، كما هدد بوتين اللجوء إلى سياسات تقليص خطوط الأنابيب كوسيلة للضغط على أوروبا وآسيا الوسطى.


 


 


تحد واضح

يشدد المؤلفان في النهاية على أن الحوافز الاقتصادية والإكراه هي من الأدوات القوية في تحقيق المصالح الوطنية الحيوية من القوى الكبرى، ففي عالم السياسة المعاصرة يجب أن تتوازن أربع أدوات: الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والميديا.

فالكتاب هو تحد واضح لكل من السياسة الخارجية والمعتقدات الاقتصادية. وينبغي أن يقرأ من قبل صانعي القرار والباحثين والأكاديميين لفهم مستقبل القيادة "وفن الحكم" في العالم الجديد، ومن المرجح أن يثير مناقشات مثمرة لسنوات عديدة قادمة.


 




قالوا عن الكتاب

المؤلفان قدما لصانعي السياسة في أميركا خدمة جليلة وهي دراسة متأنية تذكر بأهمية الأدوات الاقتصادية الحيوية في عالم اليوم"

هنري كيسنجر

مستشار الأمن القومي الأسبق


" الكتاب رسالة عاجلة للولايات المتحدة: تأثير الدول الأخرى في السياسة العالمية سوف يتزايد بوسائل أخرى (غير عسكرية)، بينما تتزايد حاجتنا إلى الاعتماد على القوة العسكرية لحماية مصالحنا الحيوية"

جون دويتش

المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية


"الجانب الاقتصادي للسياسة الخارجية الأميركية سيكون حاسما لنجاح الرئيس الأميركي القادم، رجلا كان أم أمرأة، وسوف يحتاج حتما إلى قراءة هذا الكتاب جيدا ويجيب على حججه القوية"

لورانس سومرز



كبير مستشاري الرئيس أوباما الاقتصاديين