حين أقرأ حكم محكمة الجن والجنايات والجنيات في بلد عربي بحق رجل مالي عملاق في قصة فنانة عشيقة ذبحا من الوريد للوريد، وأن تقريرا من 161 صفحة يقول فيه القضاء أنه متيقن أن (تايكون Tycon) المال خلف الجريمة، وأن ضابط مخابرات كان من نفذ الجريمة بالساطور والسكينة، ولكن الرأفة والرحمة تحركت في قلوب القضاة، للتخفيف من حكم هذا الرجل المالي الكبير، صاحب المشاريع العملاقة، والأموال الهائلة؛ فأعرف أن السبب خلف تخفيف الحكم من الإعدام إلى 15 سنة، لتصبح ربما بعد خمسة أشهر عشر سنوات، لتنزل بعدها إلى خمسة أشهر، ثم خمس ليال في فندق سبع نجوم، يقضيها الملياردير المنتفخ بمال السحت، في متنزه حلو لطيف معتدل المناخ؟

أعرف تماما كما تيقنت المحكمة من القضية، أن من أنجا رجل المال هما ساقان من المال والنفوذ، وأن من يمشي إلى حبل المشنقة هم المساكين الفقراء بدون سيقان من النفوذ والمال.

بنفس الوقت أعرف سخافة العدالة الأرضية، وكم من القضايا تذهب فلا يعرف القاتل، بل وكيف يموت أناس ويقتلون لأنهم قالوا كلمة حق في وجه إمام جائر! وبالتالي فإن مشهد العدالة الأرضي يضطرب ويهتز مع قصة مصرع هذه الفنانة المسكينة التي راحت ضحية الفن والغرام، والغيرة والهيام، والمال السحت الحرام!.. بل يهتز المنظر جدا حين نرى الكثير من الطغاة والمجرمين يموتون في عزة وشقاق، ويحملون إلى مدافنهم على عربات حربية، والناس تندب وتنتحب وتبكي، وتضرب المدافع أجلالا لذكراهم ويحضر رؤساء الدول في الجنازة.

أو كما مات العديد من طواغيت التاريخ ومجرميها بهذه الطريقة من إمبراطور الصين تشين وجنكيز خان وأتيلا وتيمورلنك الذي كان يبني أحدهم أهرامات من الجماجم، ويحيل المدن قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتى، كما فعل جنكيز خان مع باميان في إيران حين قتل حفيده في المعركة وهو المعتدي الأثيم؛ فحلف أن لا يبقي حياة وحركة في تلك المدينة الجبلية؟ فقتلوا البشر والقطط الهائمة والكلاب الشاردة والمعز النطيح؟

ونرجع إلى المنحورة المذبوحة الفنانة وقدرها العاثر أن منحت جمالا وسؤددا ومالا وشهرة؛ لقد تزوجت ربما أربعة أحدهم بوكسرجي عراقي، فمن دخل هذا الباب ولج مغارة علي بابا وأربعين حرامي، ومن سكر لم يعد أٌقداح الفودكا والشمبانيا؟ عفوا من التعبير؟ ثم وصلت الفنانة أخيرا إلى مخدع رجل المال بالأحرى جيبه العامر فأسكرته هياما وعمرت أكياسا من اليورو الحلو والدولارات الجيدة والجنيه اللندني الغالي، ولكن ولوج مثل هذه الأبواب الخطيرة ليس بدون ثمن وجريمة.

وهكذا ومن أجل المال والشهرة ماتت ذبحا كما ماتت قبلها مارلين مونرو بالسم منتحرة، فإما انتحروا أو نحروا؟

إنني حقيقة أضحك من فكرة العدالة الأرضية، وأعرف أن الأرض حافلة بالشر والقتل واسأل هوليود تخبرك، ومثلا في فيلم العصابة (لا بريميرا) يقول التقرير إن هناك حتى عام 1990، 3000 من ضحايا القتل بالجريمة المنظمة، وعدد السجون في أمريكا تزداد، وفي داخلها يتدرب (الغشيمون الساذجون؟ كذا؟) على فنون جديدة في القتل والسرقة؟

إن الملائكة حين علموا بخلافة آدم قالوا يارب أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟

ونلاحظ هنا استغراب الملائكة عن سفك الدم أكثر من الكفر فلم يقولوا أتجعل فيها من يكفر ولا يعبدك بل أشاروا إلى أمرين جوهريين: الفساد في الأرض وسفك الدماء؟ وإنه لعلم لك ولقومك وسوف تسألون؟