أكثر ما يلفت النظر في زيارة الملك سلمان إلى مصر هو مدتها بأيامها الخمسة، والفارق يكمن في ما اعتادت عليه الزيارات الرسمية بزعماء العالم من استقطاع وقت قصير للقاء والتصوير وتبادل المجاملات وما يعقب ذلك من بيان تجميلي للزيارة.
لكن زيارة الملك المختلف عن سواه، والمتميز عن أقرانه، والصارم في حزمه، والمتوثب في عزمه، والدقيق في التزامه، والذي أثمر في كل سنواته العملية إنتاجا وتطويرا وتنمية لدرة المدائن "الرياض" التي صارت من أكثر وأسرع مدن العالم توسعا ونماءً، وسلمان إلى ذلك كله عرف بكونه عراب الأعمال الخيرية في داخل المملكة وخارجها، وبفضله امتدت خيمة العطاء السعودي إلى العديد والمديد والمزيد من دول العالم العربي والإسلامي والإنساني في مواساة لفيضان أو زلزال أو هدم أو مجاعة أو حروب عبثية، ثم وقد تولى الملك سلمان حكم البلاد جاء بما يدهش ويسعد ويبعث في النفس جذوة الأمل والفخر.
كيف لا؟ وهو الذي مازال يعيد خياطة الخريطة العربية الممزقة، يرتق ثقوبها، ويسد بحزم شقوقها بعد أن كاد العدو ينجز تقطيع أوصالها، وتقسيم أطرافها، وتوزيع ولاءاتها، وينشر الميليشيات التابعة في أرجائها، لكن سلمان الحزم قوض هذا المخطط في زمن قياسي، وبعزيمة أدهشت العالم بكبرائه وتابعيهم، فما كان منهم إلا الرضوخ والتسليم بفشل نوازعهم الشيطانية، ثم جاءت الضربة القاضية بالتحالف الإسلامي العريض وغير المسبوق، وليضع الملك سلمان العالم مرة أخرى على سدة الحقيقة ويبرهن على أن التحالف العسكري لمحاربة الإرهاب ومناوأة المخططات الغربية هو الأقوى في تاريخ الأمة المعاصر، ثم جاء من بعده تمرين رعد الشمال ليعلن بصوت لا نحنحة فيه أن القوة تكمن في التوحد امتثالا لقول الشاعر العربي الحكيم:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت آحادا
إذًا هكذا هو سلمان القائد الذي يأتي إلى كرسي الحكم من تجربة عميقة وخبرة مديدة اختزل فيها حنكة الشيوخ وتجربة الحكم التي استخلص عصارتها من مزاملته لإخوانه ملوك الدولة السعودية في سيرة عملية وتجربة ميدانية لم تتوفر لأي حاكم في العالم.
ولذلك فقد جاءت زيارة الملك سلمان إلى مصر مختلفة في مدتها تبعاً لما تضمنته من إنجازات وما قطفته مصر والمملكة من ثمرات الأيام الخمسة المباركة من اتفاقيات اقتصادية وتعليمية وثقافية وإعلامية وفنية وسكانية، ومعلوم أن ذلك الإنجاز كله قد تأسس من خلال مجلس التنسيق السعودي المصري، وما بذله محمد بن سلمان من جولات مكوكية خلال الفترة الماضية ذهاباً وإياباً لوفدي المجلس بين القاهرة والرياض لتكون زيارة الملك تتويجاً لذلك الجهد ولتثبت هذه الزيارة مجددا أن العالم العربي يجب أن يمضي للتحول إلى عهد الإنجاز، فقد مضى وقت طويل من الكلام والخطب حتى سالت بها الأحبار، وامتلأت بها نشرات الأخبار دون أي فعل ملموس على الأرض، ودون أن ترى الشعوب أثراً لتلك الخطب الرنانة سوى الصداع أو الحسرة وعدم المبالاة بواقع الزيارات الرسمية، لكن زيارة الملك سلمان بما حققته من إنجازات سترفع سقف التطلعات الشعبية عربيا لتكون المكاسب البينية والمصالح المشتركة هي المحك الحقيقي لجدوى الزيارة.
تحية إلى مصر الحبيبة الشقيق الأكبر، فقد عادت لك يا مصر شمسك الذهب مع هذه الزيارة السلمانية المباركة.