بخلاف أن صاحب الظل الطويل هو مسلسل رسوم متحركة ياباني مقتبس من رواية DaddyLong-Legs للكاتبة الأميركية جينويبستر فإنه يظل تشبيهاً متاحا يتسع لكثير من الاحتمالات، وهناك متسع من هذه الاحتمالات ليكون المثقف صاحب الظل الطويل أحدها، ومثار سؤال قائم أو تعريف بماهية دوره وتحركه في المشهد الثقافي.
مرت أوقات ذهبية بكل مرحلة ثقافية في كل المجتمعات، وحسب نظرية التحول والصعود والهبوط فإن المثقف تطاله تلك المتغيرات، وتحدث فيه الكثير من التغيير والتحول، فبينما كان المثقف في وقت ما هو من يمتلك سلطة الوعي والمنبر، وله الحق في أن يكتب من أجل الأرض والإنسان والفكر أصبح الآن وفي أغلب حالاته وأوقاته على هامش التغيير، وأزيح من منبر الوعي ليحل مكانه السياسي والشيخ والفقيه، وفي الآونة الأخيرة صعد إلى منبر الوعي رجل الشارع الشعبي النصف متعلم وكل أدواته المعرفية والثقافية هي الصوت والحركة والكثير من القفشات المضحكة التي باتت تصنع جمهورا ومتلقين أكثر من مجالس الفكر والثقافة.
أصبح المثقف الحقيقي اليوم بائسا بما يكفي للانكفاء والانطواء على ذاته، فما تكاد منابر الفقيه والشيخ تمنحه متسعا للظهور حتى يحل مكانه أصحاب الظل الطويل الذين يجيدون الانتشار المتمدد في كل منافذ الإعلام، بل ويجيدون النكات والحكايات المميعة التي تحرك الغرائز بدلا من العقول.
إن المثقف اليوم يتعايش مع حقيقة انكسار الثقافة إلى حد السقوط والتهميش مقابل كل التمدد الكبير الذي يكتسح الشارع العربي والعقل العربي. وهنا تصدق نبوءات هيجل بأنه "ينزع الوعي المتخلف إلى عبادة الكم"، وهنا الجموع لا نقول دفعت بالمثقف إلى الزاوية الضيقة، بل جعلت الغالبية العظمى منهم يرتبطون بالسياق المتاح الذي يستخدمهم ويدفعهم إلى إعلاء مصالحهم الخاصة، وكسب المزيد من الحضور.
بالمقابل لا يغفل التاريخ في حركته وتحولاته عن مثقفي الظل أولئك التنويريين الذين تمسكوا بقيمهم، وبألا يخونوا النص، ولا يخونوا الجموع التي سلكت الطريق الأسهل، لكنهم اليوم باتوا بلا ظل، بلا هوية، ليس من مكان ولا منبر يتسع لهم كما حظي به أصحاب الظل الطويل أنهم هم ذاتهم المثقفون يتشابهون في كل الحقب والمراحل، هم يشبهون المثقفين الذين فروا من بطش الكنيسة في فرنسا في بدايات 1880، وكانوا يحتمون بلقب الأستاذ، ويحتمون في قاعات الدروس، إذ كانت كلمة مثقف ليس لها معنى إلا التمرد والخروج من سلطة الكنيسة ومناوشة منبرها، وهو الشيء ذاته الذي يحدث اليوم بعد أن باتت كلمة مثقف مدعاة للريبة والمروق من الدين والتمرد على منبر الشيخ والفقيه ورجل الشارع حتى أصبح المثقف الحقيقي اليوم كائنا بلا صوت وبلا ظل.