في الرسالة الأولى والأهم للزيارة التاريخية لزعيم الحزم، سلمان بن عبدالعزيز، إلى الشقيقة مصر، دعونا نكون أكثر وضوحا ومكاشفة، وهذا ما أقرأه كمواطن لا علاقة له أبدا بدهاليز السياسي: القصة تقول إن الفكر الحركي، والإخواني بالتحديد، كان يرفل في ثياب الاحتفاء والبهجة ليلة فجر "سلمان بن عبدالعزيز، في ظنون وهمية أن هذا القائد التاريخي سيكون ضدّ وندّ مصر في عهدها الجديد.
كنت متأكدا تماما أن هؤلاء لم ولن يستطيعوا قراءة من هو سلمان بن عبدالعزيز، لم يكن "أبوفهد" وكما عرفته عبر أكثر من عقد من الزمن حزبيا ولا متحيزا، بل وأشهد للتاريخ، أنني لم أسمع منه جملة أو خطبة أو كلمة إلا وكان الهم الإسلامي فيها صلب الموضوع وجوهر الرسالة. والقصة برمتها تقول إن سلمان بن عبدالعزيز قد أدرك خطورة المرحلة، ولهذا اختار أن يذهب إلى مصر ليوجه رسالة إلى كل شعوب عالمه العربي ومحيطه الإسلامي: لا للاختطاف وعلينا أن ننهي اللعبة.
وخذ في العبرة ما يقوله لي زميل وأستاذ جامعي يهاتفني من القاهرة مساء البارحة: إن لم تأت الرياض إلى القاهرة وتحلق الأخيرة بجناحها الضخم إلى الرياض فماذا بقي من عواصم الإسلام والعروبة. كان هذا الأستاذ الجامعي والمفكر العربي البارز يشرح لي خطورة المخطط الذي كان يراد به لمصر كي تنفصل عن محيطها، ولست مبالغا إن قلت إنه كان يتحدث عن زيارة خادم الحرمين الشريفين، سلمان بن عبدالعزيز، مثلما يتحدث عن شلال هادر أو عن "نيل" جديد في العلاقة ما بين بلدين. نحن هنا نتحدث عن أكبر بلدين عربيين متماسكين في خريطة ملتهبة. نتحدث عن إنقاذ السعودية ومصر.
شكرا، سلمان بن عبدالعزيز: مصر تستحق من هذا البلد كل ما وقعت وأعطيت. والخلاصة أن المفاجأة الاستثنائية التي أعلن عنها زعيم العالمين العربي والإسلامي في خطابه التاريخي بالقاهرة عن إقامة جسر بحري يربط هذين العملاقين، ليست حديثا عن إقامة ترسانة من الصخر والأسمنت للربط ما بين بلدين. جسر سلمان بن عبدالعزيز الحقيقي "المجازي" هو محاولة من قائد تاريخي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من أمتار العرب المربعة التي ضاعت للأسف الشديد في براثن هذا "الخريف العربي"، ثم اكتشفنا فيما بعد أن هذا العالم العربي ضحية مخطط بالغ في الوصف والجريمة. وأنا لست بالمبالغ إن قلت إن جسر سلمان بن عبدالعزيز أول جسر يربط بين قارتين، فهذه حقيقة جغرافية صرفة سيكتبها التاريخ لمئات السنين: الحقيقة الأهم أن جسر سلمان بن عبدالعزيز سيكون أول لقاح حقيقي ضد الاختطاف الذي اغتال هذه الشعوب. جسر في وجه الأفكار المشبوهة التي كادت تنجح في قطع الشريان التاريخي ما بين رئتين وبين أكبر شعبين ودولتين... انتهت المساحة.