أجمع المراقبون على أن الزيارة التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين لمصر تعتبر حدثاً تاريخياً في توقيتها وما صاحبها من اتفاقيات وما تخللها من مظاهر الحب والاحتفاء من قبل مصر رئيساً وحكومة وشعبا.. وحيث إنها أول زيارة للملك سلمان خارج إطار دول الخليج العربي، وحيث جاءت في وقت تمر فيه الأمة العربية بفترة حساسة تتطلب تقوية اللحمة وتعزيز التعاون وتعميق أواصر الإخاء بين الدول العربية.. بالإضافة إلى مكانة المملكة العربية السعودية في قيامها بقيادة تحالفات تعمل في هذا الإطار وتعيد للدول التي تشهد أحداثاً عصيبة السلام والوئام والاستقرار..

والحديث عن هذه الزيارة لا يستوعبه مقال كهذا، لكننا نحاول قدر ما تسمح به المساحة الحديث عن أهمية هذه الزيارة وما ستفضي إليه من إيجابيات تصب في مصلحة أمتنا العرية بشكل عام والبلدين بشكل خاص.. فابتداءً لقد احتفى المصريون بالملك سلمان بشكل غير اعتيادي على كل المستويات، وكشفت لنا وسائل الإعلام مظاهر احتفاء عالية المستوى، ولا شك أن هذه الزيارة هي امتداد لواقع العلاقة المتميزة بين المملكة العربية السعودية ومصر التي تتميز بالعمق على كل المستويات ومنذ عهد الملك عبدالعزيز، والشواهد على ذلك كثيرة في وقوف الدولتين بجانب بعضهما في أحداث كثيرة للخروج بنجاح من الأزمات التي تعرضت لها كلا الدولتين من ناحية، وكذلك لوقوف المملكة ومصر بجانب بعضهما لمساعدة الشقيقات من الدول العربية للخروج من الأزمات التي تعرضت لها وما زالت .. ثم ما زالت تلك المواقف المشرفة بين البلدين إلى الآن، وأكبر شاهد على ذلك ما يعمله البلدان الآن لمساعدة بعض الدول العربية التي تتعرض لأحداث عصيبة عصفت بها وأفقدتها الاستقرار والسلام والأمن..

وفي إطار تعزيز التعاون بين مصر والسعودية تم الإعلان عن توقيع 17 اتفاقية توجت بإعلان الملك سلمان بن عبدالعزيز الاتفاق على تشييد جسر يربط بين البلدين عبر البحر الأحمر، والذي اقترح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال مراسم توقيع تلك الاتفاقيات تسميته باسم "جسر الملك سلمان" وفي كلمة الرئيس المصري خلال المؤتمر الصحفي المشترك التي رحب فيها بالملك سلمان وصف الزيارة بـ"التاريخية"، وقال إن زيارة العاهل السعودي "ترسي أساسا وطيداً للشراكة الإستراتيجية بين جناحي الأمة العربية مصر والسعودية"، مشيراً إلى أن التنسيق يمثل نقطة انطلاق حقيقية لحل المشكلات في المنطقة "بما يسهم في مواجهة التحديات الإقليمية غير المسبوقة التي تواجهها الأمة العربية".

وفي إطار التعاون بين السعودية ومصر لمواجهة التحديات قال الرئيس المصري إن الزيار تعتبر: "منطلقا لإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة الوطنية الجامعة للوقوف في مواجهة الإرهاب والتطرف اللذين يقوضان الاستقرار، ويُمثلان خطراً على مستقبل الإنسانية بأسرها"، وفي مظهر من مظاهر الاحتفاء بخادم الحرمين الشريفين، قلد الرئيس المصري الملك سلمان "قلادة النيل"، وهي أرفع وسام مصري.

كما أن إعلان الملك سلمان إنشاء جسر يربط السعودية ومصر بري عبر البحر الأحمر يشكل أهمية كبرى، حيث إنه يربط بين مشرق العالم العربي ومغربه، ويرفع التبادل التجاري بين البلدين، ويعد منفذا دوليا للمشاريع الواعدة بين البلدين، ويتوقع أن يمر فوق مدخل خليج العقبة، وتحديدا فوق جزيرة تيران، ويأتي في إطار إحدى الاتفاقيات التي تقضي بالاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والتي وقعها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وفي إطار قيادة المملكة العربية السعودية لتحالف يهدف إلى إعادة السلام والأمن والاستقرار لربوع الدول العربية قال الملك سلمان إن زيارته تأتي "لتعزيز العلاقات التاريخية بين السعودية ومصر"، وقال: "رعد الشمال رسالة للعالم عن قوتنا في تحالفنا الإسلامي والعربي"، وأثنى على مصر التي كانت من أوائل الدول المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي دعم اليمن واستقراره ويكفل للأمة هيبتها ومكانتها، وأضاف: "إننا نعيش واقعا عربيا وإسلامياً جديداً تشكل فيه التحالفات أساساً دون التدخل في الشؤون الداخلية".

وبالنظر إلى الاتفاقيات الـ 17 التي تم توقيعها بين السعودية ومصر نجد من بينها أربع اتفاقيات مالية وقعت عليها وزيرة التعاون الدولي مع الصندوق السعودي للتنمية، بقيمة 590 مليون دولار، فضلا عن اتفاقات وتفاهمات في التعاون الثنائي بين البلدين. واتفاقية إنشاء جامعة الملك سلمان بن عبد العزيز بمدينة الطور (جنوب سيناء)، بقيمة 250 مليون دولار، واتفاقية إنشاء 9 تجمعات سكنية في شبه جزيرة سيناء، بقيمة 120 مليون دولار، وذلك ضمن مشروع تنمية سيناء، واتفاقية تمويل مشروع محطة كهرباء غرب القاهرة، بقيمة 100 مليون دولار، واتفاقية مشروع تطوير مستشفى قصر العيني، بقيمة 120 مليون دولار. واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، ومنع التهرب الضريبي في شأن الضرائب على الداخل، واتفاق للتعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والتعاون في مجال النقل البحري والموانئ، فضلا عن مذكرات تفاهم في مجالات الكهرباء والطاقة، والإسكان والتطور العقاري، والزراعة، وتفاهم للتعاون في التجارة والصناعة، وحماية النزاهة ومكافحة الفساد.

ولتعزيز الاقتصاد المصري كانت هناك حزمة من الاتفاقيات تشمل ودائع عالية القيمة تقدم للبنك المركزي المصري لدعم احتياطياته ورفع الاستثمارات. كما أن هناك شراكة عسكرية بين البلدين ودعماً لتعزيز القدرات العسكرية للجيش المصري في إطار سياسة الملك سلمان بدعم مصر عسكرياً من خلال إنهاء أية صفقات عسكرية.

وخلاصة القول ستكون زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان التاريخية لمصر معززة للحمة العربية، وسيكون لها بإذن الله مردودات كبيرة على كل المستويات لتعزيز السلام والأمن والاستقرار.. كما أنها تؤكد موقف المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على الوقوف بجانب الإخوة والأشقاء والأصدقاء في كل ظرف حساس يمرون به، وتكشف الزيارة الريادة التي تحتلها المملكة وهي تقود تحالفا مهماً في وقت عصيب تمر به الأمة العربية، وستعمل هذه الزيارة بإذن الله على عودة السلام والاستقرار لوطننا العربي.. حفظ الله قائدنا ووفقه لخير أمتنا ووطننا ومواطنيه، وحفظ الله بلادنا من كل شر، وأدام عز أمتنا ووطننا ومواطنيه.