هناك بعض الأمنيات والأحلام، وأحيانا تصل درجة المطالبات التي أسميها متهورة، وأحيانا أقول محفوفة بالحرص والخوف من المستقبل، والتي وجهت لصحفنا السعودية والعربية بشكل عام، بأن تكون على قدر من الشجاعة، وتعلن عن تحولها إلى رقمية، أسوة ببعض الصحف الأجنبية، وذلك قبل أن تموت.

في الحقيقة، هذه المطالب والأمنيات -غير أنها مستفزة لنا نحن أنصار الورق- إلا أنها غير واعية بما يصحب هذا التحول من فشل في تقبل المجتمع لهذا، بدءا من العمل الميداني الذي اعتاد عليه الصحفيون والإعلاميون، ويعد الوظيفة والدخل الأساس لشريحة كبيرة منهم، ومرورا بمؤسسة النشر ذاتها من ناحية تخليها عن تقليد اتخذته يختلف من صحيفة إلى أخرى في آلية الطباعة وانتشار المكاتب في عدة مدن، واستقطاب الكوادر المحترفة والمتمكنة من الحفاظ على المطبوعة، واعتياد القارئ على التعامل مع الصحيفة الورقية بشكل يومي، والسبب الأقوى والمهم، والذي لا يمكن أن نتجاهله، أننا لم نصل إلى مرحلة التعاطي مع العالم الرقمي بشكل احترافي، يكفل لنا ألا نواجه مشكلات تجعلنا نعود من منتصف الطريق.

على سبيل المثال، ليس كل الصحفيين لهم المعرفة ذاتها التي تخول أحدهم العمل بإتقان في حال غياب آخر. دراستنا وعلومنا التكنولوجية لا تضمن لنا أن نكون كما إعلاميي البلاد الأوروبية الذين نشؤوا والأجهزة أمامهم، ولا أظن أن العشرين سنة الماضية أوجدت جيلا محترفا للتقنية إلى الدرجة التي من الممكن بها أن نحول مؤسساتنا ودوائرنا إلى رقمية.

احتياجنا إلى التطوير يتطلب منا سنوات وسنوات من العمل، وبعدها يحق لنا أن نرفع أيدينا مطالبين بعالم رقمي. لا أظن أن فشل بعض الصحف وضعفها له دخل بأنها ورقية، وأن تحولها إلى رقمية سيحل الإشكال وينقذها من الاحتضار.

عملية نجاح الصحف من عدمه، عملية تكاملية بين جميع الأطراف: المالك والعاملين في الصحيفة والشارع. دعم الأول، واجتهاد الثاني، وتقبل الثالث وتشجيعه، يؤدي كل هذا إلى استمرارها مهما كان تأثير العالم الرقمي قويا وذا سطوة، وبغير توافر هذه الركائز الثلاث، فإنها بالفعل ستحتضر، بل سنشيعها إلى مقبرة النسيان.

صحفنا السعودية تحديدا مقروءة ورقيا إلى حد يجعلنا نرضى باستمرارها. لذلك دعونا نبقى ورقيين على ما وجدنا عليه آباءنا، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. فأنا شخصيا أنصب العداء لكل ما هو تكنولوجي، وأظن أبناء جيلي ومن يكبرنا يحملون العداء ذاته، ولن يزول بين عشية وضحاها.