كنت وما زلت أؤمن بأن التدريب التقني والمهني هو الخيار الوطني الإستراتيجي للاستثمار في مواردنا البشرية من الشباب، وذلك لعدة أسباب:

-1 سنويا يتخرج من التعليم العام الآلاف من الطلاب والطالبات.. يتسابقون باتجاه التعليم الجامعي، الذي يستوعب أكثر من 90 % من تلك المخرجات، والحقيقة أن غالبية هؤلاء الطلاب والطالبات لا يتمكنون من الدخول في التخصصات والمجالات التي يرغبونها، "فيضطرون" إلى الانسياق في مسارات دراسية جامعية لم يكن لهم الخيار فيها، فضلا عن أنهم لم يتعرفوا مسبقا على مهاراتهم وقدراتهم والمجالات التي تناسبهم، وبالتالي تجد معدلات التعثر الدراسي والتسرب من التعليم الجامعي تقفز إلى نسب كبيرة، وفي ذلك هدر كبير ماليا واقتصاديا واجتماعيا كان يمكن أن يستثمر بشكل أفضل.

-2 أن القطاع الخاص الذي يعتبر المعول الرئيسي للتوظيف وخلق فرص العمل لا يترك مناسبة إلا ويجهر بعدم تأهيل الشباب السعودي وعدم جاهزيتهم لسوق العمل بمن فيهم خريجو الجامعات وخريجو الكليات العلمية، لأنهم لا يكتسبون أثناء دراستهم الجامعية المهارات المهنية والعملية الكافية التي تحفز هذا القطاع على استيعابهم، وبالتالي تنتج لنا الجامعات سنويا آلاف الخريجين الذين يحتاجون إلى تدريب وتأهيل.. مما يعني مضاعفة قيمة الاستثمار اقتصاديا في مواردنا البشرية.

-3 الثقافة المجتمعية السائدة تنزع إلى حرص الأسرة أن يلتحق أبناؤها بالتعليم الجامعي، دون مراعاة لاعتبارات قدرات وميول أبنائها ومستقبل سوق العمل ومتطلباته، ومن ثم تتراكم مشكلة البطالة وتكبر ككرة الثلج عندما يتخرج أولئك الأبناء ولا يجدون فرصتهم في سوق العمل.

-4 إن الوطن بحاجة إلى كوادر بشرية وطنية قادرة على المساهمة في مسيرة البناء والتنمية.. وليس أفضل من أن يبنى الوطن بسواعد أبنائه.

لذلك لا بد من العمل على إنتاج أجيال قادرة على أن تبني وطنها بكل جدارة واقتدار وكفاءة.. وفي اعتقادي أن ذلك لن يتحقق إلا إذا أدركنا أن التأهيل والتدريب هو خيارنا الإستراتيجي الأمثل.

وما زلت أحلم بأن تنعكس المعادلة لتستوعب قنوات التدريب والتأهيل الحصة والمعدلات الأكبر من خريجي التعليم العام، ونجعل من هذه القنوات كليات جامعية مهنية تخرج أبناءها بالدرجة الجامعية، وتتوجه الحصة الأقل إلى التعليم الجامعي الأكاديمي.