خريجات، في عمر الزهور وفي ميعة الشباب، يتمتعن بالطموح والعزيمة، مع التأهيل العلمي. بعضهن حاصل على البكالوريوس بمعدل عال، وبعضهن حاصل على الماجستير والدكتوراه. غايتهن الوحيدة خدمة الوطن الحبيب وأداء حقه، ينتهبن الفرص، ويضعن أنفسهن رهن لقمة العيش التي ربما تأتي جافة أحيانا لا يستطعن بلعها.

مواطنات سعوديات طموحات، يطرقن كل باب من أجل العمل وتحقيق الذات، حتى وإن قيل لهن إن هذا الباب يفتح مؤقتا ويغلق في أي لحظة، وأنهن قد يخرجن منه مثلما دخلن. فحين تتقدم إحداهن إلى جامعة من الجامعات، وتقبل العمل متعاونة تدرك -منذ البداية- أنها حصلت على وظيفة مؤقتة، وأنها ربما تغادر في أي لحظة، وبلا ضمانات.

المتعاونات في الجامعات السعودية بالعشرات، وهن مواطنات مؤهلات، لكن أوضاعهن في غاية الصعوبة. يتحملن أنصبة عالية، ويحصلن بالمقابل على مخصصات مالية منخفضة، بل إن بعضهن لتفاجأ عند توقيع العقد بأن المبلغ المحدد أقل من مبلغ الوظيفة التي تقدمت عليها، وبعضهن ربما تغادر الجامعة دون أن تتقاضى أجرها عن شطر من المدة التي قضتها فيها.

فإذا ذهبنا ننظر في أصل المشكلة، لأن ذلك جزء من الحل، فسنجد أن الجامعات تعاني من عجز حقيقي في الكوادر التعليمية، تشهد عليه الأعداد الكبيرة من المتعاونات فيها، واللاتي يزيد عددهن -في بعض الأقسام- على عدد عضوات هيئة التدريس المعينات رسميا في القسم. والجامعات لذلك -وهي معذورة- تضطر إلى هذا الحل المؤقت، لكن الحلول المؤقتة لا تجدي في علاج المشكلات الدائمة.

هذا الوضع الذي تعيشه الجامعات، وهي مؤسسات وطنية، والمتعاونات فيها وهن مواطنات مؤهلات، يعني ضرورة إيجاد حلول جذرية. فإذا افترضنا أن الجامعات تعاني من احتياج بهذا الحجم، وأنها ترفع بهذا الاحتياج إلى وزارة الخدمة دوريا، فهذا يعني أن الكرة الآن في ملعب هذه الأخيرة، بوصفها الجهة الوحيدة التي تملك الحل الجذري.

لكننا لن نطرح سؤالا مشروعا عن سبب التأخر في الاستجابة إلى تلك المطالب، بل سنقترح بعض الحلول الممكنة، فيكون حالنا حال الطبيب الجيد، الذي قرر إجراء عملية جراحية لمريضه، ثم فوجئ بعدم توافر السرير، ففضل ألا يلجأ إلى المسكنات المؤقتة، ورأى أن يختبر مع مريضه علاجا بديلا، يراجع نتائجه إلى حين توافر السرير.

وجود المتعاونات في الجامعات يعني ضرورة وضع لوائح منظمة، تتم مراجعتها دوريا، وتطويرها لتتناسب مع الظروف والتحولات التي تشهدها البلاد في مختلف المجالات، وأن يراعى في تلك اللوائح -القابلة للتطوير- تحديد حقوقهن المالية والأدبية، وتوافر الضمانات الكافية في حال الاستغناء عنهن، بالفصل التعسفي أو إنهاء الخدمات، وألا تترك المساءلة للاجتهادات التي تتباين نتائجها من جامعة إلى أخرى.

ولعل من الحلول الممكنة هنا أيضا، أن يسهم المجلس الأعلى للتعليم في وضع تنظيمات إدارية للمتعاونات، يقر خلالها -مثلا- منح المتعاونة فترة تجريبية محددة تنتهي بتثبيتها على الوظيفة التي تشغلها في جامعتها، بالتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية. هذا الإجراء الأخير من شأنه أن يحفظ حقوق المتعاونات، وأن يحفظ للأستاذ الجامعي صورته اللائقة.

ولنتذكر أخيرا، أن هذه الحلول مؤقتة أيضا، وأن الوضع يقتضي التفكير في حلول جذرية لمشكلة دائمة، لا يجدر تركها معلقة لسنين قادمة، بعد كل ما شهدته التجربة من الاختلالات.