في صيف عام 1988، انفجرت الطائرة الخاصة التي تقل الرئيس الباكستاني الشهير محمد ضياء الحق، ومعه السفير الأميركي في باكستان، وعدد من كبار المسؤولين.

انفجرت الطائرة فور إقلاعها من مطار مدينة راولبندي، وتناثرت أشلاء كل من عليها في حادثة هزت العالم كله في ذلك الوقت. من الصدف أني كنت وقتها في مدينة لاهور، كنت طفلا لم أتجاوز العاشرة من عمري، في زيارة عائلية صيفا، بحكم وجود كثير من العوائل السعودية هناك.

ما زلت أتذكر تلك المشاهد المهيبة، فقد خرج الناس بكل أطيافهم إلى الشوارع حتى اكتظت بهم ثاني أكبر مدينة في باكستان. خرجوا مذهولين فلم تكن مظاهرات، وإنما كانت صدمة جعلت الناس يهرعون إلى الشوارع بلا شعور، ويتركون أعمالهم ووظائفهم، حتى باعة الخضار والفواكه المتجولون، والذين يملؤون طرقات مدينة لاهور، تركوا بسطاتهم وذهبوا مع الجماهير الغفيرة.

لا صوت يعلو على صوت البكاء والنحيب. كنت أشعر بأن الأرض تبكي من الحزن وتسيل من دموع الناس. كطفل، لم أكن أعرف من هو ضياء الحق، ولكن هذه المشاهد جعلتني أضعه في قائمة الأبطال الأسطوريين في ذاكرتي. خصوصا أن باكستان في عهده كانت مليئة بالسياح، فعندما تزور مدنا مثل إسلام أباد، وفيصل أباد، والقرى في الجبال مثل "مري" و"نتياقلي"، حيث الطبيعة الساحرة والأنهار والثلوج التي تغطي قمم الجبال، كان السياح من كل بقاع الأرض يأتون إلى تلك الأماكن، ويشربون من ماء الأنهار العذب.

هناك ركبت التلفريك للمرة الأولى في حياتي، ورأيت الغزلان على الطبيعة، وأيضا واجهت الموت. فصعوبة الوصول إلى تلك الأماكن والطرق غير المعبدة في الجبال تسبب في انهيار جبلي بسبب الأمطار، وكاد يُسقط الباص الذي يقلنا في أحد الأودية من منحدر شاهق جدا، كنا نرى الوادي أسفلنا كخيط رفيع من بُعده، وسيارتنا تتأرجح بين الطريق الطيني والسقوط.

خرجنا أطفالا ونساء من شبابيك الباص الصغير وساعدنا القرويون الشهماء ونقلونا إلى أقرب قرية، ولكن عودة إلى الموضوع الأصلي، من هو ضياء الحق؟ وهل هو فعلا بطل أسطوري؟