في كتابه عن "الجمهورية"، حذر الفيلسوف اليوناني أفلاطون، من مخاطر الديمقراطية المنفلتة التي قد تفتح باباً للفوضى والطغيان والديماغوجية. وحذر أفلاطون أيضاً من انكشاف الديمقراطية أمام عملية احتكار يقودها أشخاص يهتمون بقوة الأشخاص أكثر من اهتمامهم بالمصلحة العامة.
وثمة درس يتعيَّن استيعابه يتعلق بالطريقة التي يمول بها الأميركيون حملاتهم الانتخابية.
الولايات المتحدة من وجهة نظر أفلاطون، تواجه معضلة أخلاقية كبرى، تظهر في السؤال التالي: هل نمط التمويل الضخم ينطوي على فساد؟ وهل يخدم هذا التمويل المصلحة العامة؟ وهل يؤدي إلى خلل أخلاقي يقود إلى الفساد والفوضى والطغيان؟
يتعين على الأميركيين التمحيص في تأثير المال أو بالأحرى التبرعات الضخمة على السياسة، فالبعض ينظر إليها على أنها تؤدي إلى الفساد، بحيث يصبح المال وسيلة للوصول إلى الساسة والمسؤولين الحكوميين. والبعض الآخر يعتبر أموال التبرعات أداة تنبيه تساعد على تحفيز المواطنين كي يقوموا بواجباتهم المدنية.
المتبرعون في الحملات الانتخابية، على الرغم من اعتبارهم "وصمة عار"، فإن بمقدورهم القيام بأمور تثير الإعجاب، فبإمكانهم توظيف أو استئجار أطقم شابة لديها شغف وولع بالسياسة، أو التعاقد مع شركات متخصصة في تذكير المواطنين بمواعيد الاستحقاقات الانتخابية. كما يستطيع المتبرعون تمكين المرشحين من الاستعانة بأكاديميين يدققون في سياسات المرشحين، وتنقيح أفكارهم، ومن ثم تستطيع الحملات الانتخابية تحفيز أفضل العقول الموجودة لدى الأميركيين.
ولكن هل بالإمكان القيام بجميع ذلك بهبات صغيرة؟ وهل من النبل أن تأخذ 5 ملايين دولار من مليون متبرع، بدلا من أخذها من 5 مانحين؟
ولكن هناك ميزة للجهات المانحة الكبيرة، حيث يمكنها أن تصر على المساءلة، إذا أهدرت الحملة المال في مصروفات تافهة، كذلك الاعتراض على تصريحات المرشح المبغضة أو المفرطة أو المتطرفة، وغالباً ما تكون هذه الجهات بمثابة مجلس تنفيذي من نوع ما، لمراقبة أن تبرعاتهم للحملات الانتخابية غير مهدرة والتأكد من أنها مستثمرة بشكل مثمر.
يظهر خطر طغيان النفوذ الشخصي على الاعتبارات العامة في الانتخابات الأميركية، وهو ما يتمثل في ظاهرة المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب في الطريقة التي يمول بها حملته الانتخابية، دون مساعدة كبار المانحين الذين يمكنهم مساءلته عن إهدار أموال الحملة وعن تصرفاته المبغضة.