في أحد مؤتمرات وزير الخارجية عادل الجبير المشهودة على هامش مؤتمر ميونخ للأمن قام أحد الحضور الأجانب وأدان الدين الإسلامي بوضوح تام، وألزمه بقناعة راسخة كل أعمال داعش الإرهابية، وأكد على أن داعش تصدر في أعمالها المشينة عن تعليمات وقواعد وأخلاقيات هذا الدين، قال ذلك وأكثر منه ذمًا وقدحًا في الإسلام ثم جلس.

وهنا انبرى الأستاذ عادل الجبير للرد عليه لإجلاء هذه الصورة السلبية التي ربما تكون لدى الحاضرين، كما لدى المتسمّرين أمام الشاشات ممن يتوقعون أن الجبير قد أُسْقِط في يده بعد كلام السائل المباشر والحاد، لكن الجبير بصوت الواثق الهادئ والراسخ، وبالكلام الواضح في لغة تعتمد المعلومة والمقارنة قد استطاع أن يلجم السائل، وأن يوضح له أن التطرف لا ملة له ولا دين، وأن التطرف مثل الفطر الذي يبرز فجأة بما يشكل انحرافاً عن الجادة السوية، وضرب له وللحضور مثلاً بمنظمة الـ kkk (كو - كلوكس - كلان) المتطرفة وكيف أنها لا تمثل المسيحية ولا المسيحيين، وأن الحال كذلك مع اليهودية والهندوسية، ثم استشهد ذاكرًا بعض الآيات القرآنية مثل قوله تعالى (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، وقوله تعالى (لكم دينكم ولي دين).

ثم ذكّرهم بالحضارة العربية والإسلامية التي كانت جسرًا وسيطًا وناقلاً للحضارة اليونانية، وأكد على أن الحضارة الإسلامية كانت لها إسهاماتها العلمية والرياضية التي بنى عليها الغربيون، وأضافوا ليصلوا بفضلها إلى ما هم عليه الآن من حضارة ورقي.

كان الجبير في ذلك المؤتمر ودفاعه الذي تداوله العالم عبر الوسائط شيخاً وداعيًا ومؤرخًا.

كان شيخًا يستشهد بالآيات والأحاديث، وكان مؤرخًا يدحض كلامهم بالحجة المقرونة بالمعلومة، وكان داعية فاضلاً وعالمًا رضيًا يمسح عن الإسلام ما طاله من تشوهات وتجنيات، ويظهر بالاستشهادات القرآنية سماحة الإسلام مع الآخر، ويسره وانفتاحه على الحضارات الأخرى، وهو إلى ذلك كله داعية إسلامي في إهاب رجل عصري حليق بما يؤكد مجددًا أن الإسلام هو محتوى سلوكي أكثر منه مظهرًا شكليًا، وبما يؤكد على أن معيار التقوى ليس في عدم لبس العقال أو تقصير الثوب أو التعطر تحوطاً فقط من تولة دهن العود.

وكما يثبت أيضاً أن حلق الذقن والشنب لا يعني التحلل من التقوى، أو أن صاحبه فارغ من العلم الشرعي.

ويؤكد كثيراً أولاً وأخيرًا أن إعفاء اللحية أو حلقها أو لبس العقال أو تركه ليس معبرًا حقيقيًّا عن درجة معينة من التقوى أو الفقه والعلم الشرعي، أو أنه دليل قاطع على حسن الأخلاق والأمانة والصدق، وهذا القدر يُلزمنا أن ندع جانبًا الأحكام الجاهزة والمسبوقة الصنع، وأن نتخلى عن الـ"ستيريوتايب" الذي يحدد - سلفًا - انطباعاتنا، وتصدر من خلاله أحكامنا وعلى النحو الذي يجب أن يكون معه معيارنا في الحكم على الناس هو من خلال التعامل معهم ومعرفتهم عن قرب وعن تجربة ومعايشة.

وهكذا فإن علينا أن ندع الأحكام الجاهزة والتصنيف الشكلاني والظاهري وراء ظهورنا.

إن قصة دفاع الجبير المنطقية والعقلانية عن الإسلام ليست جديدة، وقد تكلم فيها الناس لكنني رغبت في اتخاذها نموذجًا للحس الديني ووازع الولاء المتوشح بالحجة عند من ليسوا - بمعاييرنا المحلية - ملتزمين، بما يؤكد دائمًا على أن التقوى محلها القلب كما أشار إلى ذلك نبينا ـ صلى الله عليه وسلّم ـ عندما قال: التقوى ها هنا، وكررها ثلاث مرات، وأشار إلى قلبه.