أي "وجع" ذاك الذي يعلن مخاضه الشاعر حسن أحمد القرني في ديوانه الموسوم بـ"ولم يبق من خيبة في الزجاجة"، الصادر عن لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية – أبوظبي "أكاديمية الشعر"2016 من القطع الكبير ويقع في 153 صفحة وتضمن 49 نصا. ففي رحم قصيدة - حين أبكي – حينما يتشابه مكان "الشاعر" بمكان "يوسف"، نزف الوجع المتوالد على مدار القهر، ألحّ على "الشاعر حسن القرني" بقوة كي يؤنسن "الغياب" لأنه أحس بخذلان بني جنسه له ليبث ما بداخله من مواجع أدمته، تجلى بمحاورته على شكل تساؤلات عن مكانه ورقمه، كاشفا عن اغتراب الإنسان القاتل، وكأنه يقول أصبحنا مجرد أرقام في سجلات الإحصاء، أو أدوات تُدار بأيدٍ لا نراها، لكننا نلتمس قسوة سطوتها على هويتنا:
"حين أبكي
أنادي الغيابَ
وأسأله عن مكاني
ورقمي".
الصوت الداخلي للشاعر القرني في نص "هراء" يبحث عن فضاء بعيداً عن الرقيب الظاهر والمتخفي - سلطة الأسرة - السلطة التي رسمت البواكير الأولى للخوف والتردد، في زمن غالبية أناسه "فرويدات"، لكن المنطوق هنا يفصح عن تمرد الناطق وتخليه عن رداء خوفه راسما صورة متفردة له مدافعا عن صوته، قائلاً:
"كُفّ عني هراءكْ
فالشِعرُ ليس الحروفْ
إنه سكرةُ الموت تلفظها وتنامْ
وأنت تقولُ الكلامْ".
يعود الشاعر في نص "لا تسعوا" إلى حالة الأنسنة لينقل صوت الجمادات وهي تئن من تغيَر وقع الأقدام عليها وكأنه يقول بلسانها للناس لا تسعوا:
"الطرقات
تنادي الأرصفةَ
الأرصفةُ تنادي
كلّ الساعينَ
إلى آخرِها
أنْ سوف يجيء المنتظَرُ
فلا تسعوا".
وفي نهاية النص يسير بموازاة التناص الديني المتمثل في الحديث الشريف "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" يريد من صرخة صوته أن تحث الإنسان أن أفعل خيراً:
"فاغرسْ
ما بين يديكْ
وانزلْ
عن صهوة ترحالك
وارحلْ..".
ويبقى الشاعر في دائرة ثيمة الوجع الإنساني ففي نص "الظلمات" الذي تضمنت مجازاته رصد حالة تبدل حالنا آن بعنا ذاكرة النور ذات زمن وابتعنا بدلا منها حضارة الاستهلاك، وما نتج عنها من تبعية مقيتة تمثلت بارتهان الصوت والوسم:
"إنه عصرُ الشتاتْ
قد تبادلنا قديماً معهمْ –
في المنتجاتْ
أخذوا رشْحَ" الخوارزمي"
ومنظارَ"ابنِ فرناسٍ"
وقانونَ"ابنِ سينا"
وأخذنا الظلمات."
وفي نص "اللون" يأخذنا القرني إلى معادلات مختلفة الدلالات والقوى، وظف خلالها العلاقات المتبادلة ما بين الحركة والسكون، لتعرية الذات أمام مرآة الآخرين وكشف زيفها ومراميها وتشدقها بأنها داعية للحرية ومناهضتها للظلم وكأنه يرصد ما تمر به المنطقة العربية من مؤامرات: ("السكون" كـ: الكراسي - الليل - السجن – المنفى – "الحركة" كـ: الموسيقى – عصفور – مواطنة طريدة).
" ما بين اختلافِ الليلِ
عن صخَب النهارِ
...
أو بين الكراسيْ
والموسيقى
أو بين عصفورٍ.. وسجنٍ
والمواطَنةَ الطريدةِ
والمنافي".