تتجدد كل أربع سنوات، مع حلول جولة جديدة من انتخابات الرئاسة الأميركية، السجالات حول نفوذ اليهود السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية. وتنوس السجالات بين قطبي التهويل والتهوين. أي المغالاة والمبالغة في تقدير ذلك النفوذ لدرجة يبدو فيها أنه نفوذ أسطوري، وبالتالي فإن تل أبيب هي المتحكمة بتلابيب عملية صنع القرار السياسي الأميركي. بينما يتصف التقليل وتهميش دور اليهود الأميركيين في المجتمع والدولة الأميركيين، بأنه نمط من العدمية وترجمة لسياسة النعامة التي تدفن رأسها بالرمل كي لا ترى الحقيقة.

وتتحكم بالرؤية الواقعية الموضوعية لنفوذ اليهود في النظام السياسي الأميركي، عوامل ومعطيات ديموجرافية رقمية ونسب مئوية تشير إلى حجم مشاركة المقترعين اليهود في العملية الانتخابية، وحقائق تاريخية مستمدة من الأداء السياسي للرؤساء الأميركيين المنتخبين، ودرجة تلبيتهم لمتطلبات العلاقة الخاصة الرابطة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

مؤشرات ديموجرافية: يبلغ العدد الإجمالي لليهود في الولايات المتحدة الأميركية 6768855 نسمة يشكلون نسبة 2.1 % من سكانها.

المنظمات اليهودية: يسعى عدد كبير من المنظمات المحلية والقومية إلى تأطير نشاطات اليهود الأميركيين في مختلف المجالات. ويمكن تقسيمها إلى خمسة أقسام: منظمات طائفية، منظمات صهيونية، ومنظمات ذات توجه خاص، ومنظمات تمويل، واللوبي المناصر لإسرائيل.

 وتنقسم المنظمات الطائفية إلى منظمات دفاعية مثل: اللجنة اليهودية الأميركية والكونجرس اليهودي الأميركي وعصبة مناهضة الافتراء التابعة لـ(بناي بيرث)، واتحادات يهودية مسؤولة عن التمويل والتخطيط، ويتم التنسيق بين هذه الاتحادات بواسطة منظمتين هما: المجلس الاستشاري لعلاقات الطائفة اليهودية القومية، وينتظم تحته 11منظمة قومية، و111 منظمة محلية. ومجلس الاتحادات اليهودية، واللجنة اليهودية الأميركية، والكونجرس اليهودي الأميركي.

 ومن المنظمات الصهيونية الأميركية التي تشجع الهجرة وتعليم العبرية وترعى النشاطات السياسية والثقافية المناصرة لإسرائيل: الوكالة اليهودية لإسرائيل، المنظمة الصهيونية العالمية، الاتحاد الصهيوني الأميركي.

أما أبرز المنظمات ذات التوجه الخاص فهي: عصبة الصداقة الإسرائيلية الأميركية؛ مؤسسة الشباب للسلام في الشرق الأوسط؛ اللجنة القومية للعمال في إسرائيل؛ والمجلس القومي لإسرائيل الفتاة.

 ومن أهم منظمات التمويل: النداء اليهودي والنداء الإسرائيلي ولجنة التوزيع المشترك اليهودية الأميركية، والصندوق القومي اليهودي في أميركا وصندوق إسرائيل الجديد ومنظمة سندات دولة إسرائيل.

 ويضم اللوبي المناصر لإسرائيل المنظمات التالية: اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة "إيباك"، ولجان العمل السياسي المناصر لإسرائيل، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي. ومنظمة "جي ستريت" التي تسعى إلى مساندة جهود السلام في الشرق الأوسط والوقوف في وجه "إيباك" التي يراها الكثيرون في دفاعها عن السياسات المتشددة في إسرائيل كارثة على أمنها ومصالح أميركا ومستقبل التعايش في المنطقة، رافعين شعار "مؤيدون لإسرائيل. مؤيدون للسلام". ويعتبر جيرمي بن عامي المستشار السابق للسياسة الداخلية في إدارة الرئيس بيل كلينتون ودانيل ليفي المستشار السابق لرئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود باراك- ونجل اللورد ليفي مبعوث بريطانيا السابق في الشرق الأوسط - هما العقل المدبر لهذه المنظمة.

والرؤساء الذين حصلوا على نسب مرتفعة من أصوات اليهود الأميركيين هم: ويلسون وروزفلت وكينيدي وجونسون وكارتر وكلنتون وأوباما. وجميعهم من الحزب الديمقراطي الأميركي. أي أنه كان لأصوات اليهود الأميركيين دور مهم في انتخاب 6 رؤساء ديمقراطيين حصراً من أصل 16 رئيساً أميركياً منتخباً خلال قرن من الزمن.

 بلغ عدد اليهود في الولاية الرئاسية الثانية (الحالية) للرئيس باراك أوباما، 18 عضواً منهم: توني بلنكن نائب مستشار الأمن القومي، اريك لين مستشار لشؤون الشرق الأوسط، وديفيد بلوف المستشار الخاص للرئيس، دانييل روبنشتاين السفير أو المبعوث الرئاسي للشؤون السورية، ودان شابيرو السفير لدى إسرائيل. أما يهود الولاية الرئاسية فكان عددهم 17 عضواً منهم: راحم عمانويل رئيس الفريق الرئاسي، جيمس ستينبرج نائب وزير الخارجية، دنيس روس المستشار الخاص للرئيس.

 وبلغ عدد اليهود في الولايتين الرئاسيتين للرئيس السابق جورج بوش الابن 30 عضواً منهم: جورج ايليوت مدير مجلس الأمن القومي، دوجلاس فيث معاون وزير الدفاع، اري فيشر الناطق الإعلامي باسم البيت الأبيض، ودانيل كونتزر سفير لدى إسرائيل.

ويبلغ عدد اليهود في مجلسي الكونجرس الحالي 29 عضواً منهم 27 ديمقراطياً، منهم: السيناتوران ريتشارد بلومنتال، وبربارا بوكسر، ومن النواب: ستيفن كوهين وسوزان ديفيس وإيليوت إنغل وستيف إسرائيل وبراد شيرمان، والنائب الجمهوري لي زيلدن، والسيناتور المستقل بيرنارد ساندرز.

تعد العلاقة بين يهود إسرائيل ويهود أميركا كبيرة ووثيقة، ولكن تشوبها الخلافات، حيث يعدّ يهود إسرائيل أكثر التزاماً بالتعاليم الدينية مقارنة بيهود الولايات المتحدة. وعلى الصعيد السياسي، يُعتبر يهود أميركا أكثر تفاؤلاً من يهود إسرائيل في ما يتعلق في قضية السلام والتعايش وحلّ الدولتين.

واللافت أن الموضوعات الخلافية بين واشنطن وتل أبيب ليست جديدة، ونشبت في عهود الإدارات الأميركية المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية. والاختلافات بين الإدارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية لم تمس جوهر العلاقة "الخاصة" مع إسرائيل التي هي في جوهرها علاقة شراكة غير متكافئة بين طرفين.

والإدارات الجمهورية تخوض الحروب وتزيد مساعداتها العسكرية لإسرائيل لقاء اتباع إسرائيل سياسة "ضبط النفس". بينما تقوم الإدارات الديمقراطية بتحقيق إنجازات سياسية وتحويل الانتصارات العسكرية إلى نجاحات سياسية على طريق تحقيق المشروع الأميركي – الإسرائيلي في الشرق الأوسط، عبر ممارسة ضغوط على إسرائيل. لحمايتها من نفسها وشطط سياسات حكامها المتطرفين.