ليس ثمة مشكلة في مفهوم الاختلاف عندي، ولكن اختلافنا أصبحت فيه النفوس ضيقة حرجة لا تتحمل أدنى موقف أو أقل نقاش، فتسمع من هنا وهناك قصصا مبكية ومواقف محزنة، ولو رجعنا وحللنا كل حالة على حدة، لرأينا أن أكثرها قد حدث بسبب سوء فهم، أو سوء ظن، أو لحظة غضب، أو استعجال في حكم دون تثبت أو روية. ولا أدري كيف تناسينا أن هذه الحياة ما هي إلا طريق نمر من خلاله إلى حياة أبدية! وأن حياتنا وإن طالت فلا بد من وقت الرحيل، ولك أن تتخيل أن أحد المتخاصمين قد رحل، وغادر هذه الدنيا، كيف سيكون حال الآخر من رحيله وهو في قطيعة معه، وهل بالإمكان إعادة عقارب الساعة إلى الوراء! رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام علمنا ألا نغضب، وعلمنا أن نتحاب وإن اختلفنا، بل وحذرنا من الانزلاق في مهاوي الاختلاف المؤدي إلى القطيعة. ولرسولنا الحبيب مواقف عظيمة تدل على تسامحه مع العدو قبل الصديق، ومن ذلك فعله صلى الله عليه وسلم مع ذلك الرجل الذي كان يضع القمامة في طريقه، وحينما خرج عليه الصلاة والسلام في يوم من الأيام ولم يجد القمامة في طريقه، سأل عن الرجل، فأخبر أنه مريض فذهب يعوده.
إنها القلوب النقية التي تسبح الله الغفور الرحيم صباح مساء، وأخيرا أختم مقالي هذا بقول المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون: إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوروبية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا .. وإن جامعات الغرب لم تعرف موردا علميا سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدنوا أوروبا مادة وعقلا وأخلاقا، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه .. إن أوروبا مدينة للعرب بحضارتها .. وإن العرب هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين .. فهم الذين علموا الشعوب النصرانية، وإن شئت فقل: حاولوا أن يعلموها التسامح الذي هو أثمن صفات الإنسان .. ولقد كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولى أرقى كثيرا من أخلاق أمم الأرض قاطبة.