حين يتسيد العنصر الذكوري على المجتمع، فمن الطبيعي والوارد أن تلحق بالمرأة المثقفة ويلات التقسيمات، وتجعلها تدفع ضريبة وجودها بينهم، وتبقى صفا ثانيا إن لم تكن بعيدة عن المتن، قابعة على حافة الهامش... من تلك الضرائب التي تدفعها المرأة: تصنيف الأدب إلى ذكوري وأنثوي.. فحين يكون الرجل هو صاحب المنجز يقال الأدب فقط، دون (ذكوري)، أما إذا كانت امرأة قيل: الأدب الأنثوي.. جدلية تقسيم الأدب مستمرة، ولا أظن أنها ستنتهي. وهناك من يغذيها في أبحاثه ودراساته ومحاضراته، ومدى تقبل المتلقي لها يساعد على استمراريتها. والضريبة الأخرى: إسقاط الأحداث التي تحضر في قصتها، روايتها، قصيدتها، إسقاطها عليها، والتمسك بنظرة خاصة حولها قد تجعلها محدودة المتابعة، من أول الإنجاز، أو تجعلها تقطع الطريق وتعود من حيث أتت في عالم الغياب والانكفاء. وهذه ليست الأخيرة، فمعاناة المغلوبة على أمرها، والتي قد تسمى مثقفة وأدبية لا حصر لها. وأنا أتصفح تغريدات الأديب / محمد زايد وجدته كتب ما يلي: "المبالغة في الاحتفاء بالمرأة الكاتبة وصل إلى حالة وبائية من الكذب والتزييف، وأصبحت أتوجس من أي إشادة بكاتبة حتى من الأقلام المحترمة". هذا أيضا معوق لا يقل ضررا عن تهميش الكاتبة المقتدرة والمبدعة. في هذه الحالة تقفز الكاتبة "المحتفى بها" إلى أعلى السلم دون المرور بدرجاته بجدارة وتعب، وكثيرا ما يحصل هذا بهدف التحفيز وإعطاء الفرصة، بينما النتيجة تكون وبالا عليها، هنا كما يقول أجدادنا: "لا سلم منقود ولا هو تغدى"، لم تصل إلى ما حلمت به ولن تصل إلى هدفها، ولا هي بقيت سالمة من لسان المجتمع المتسلط. لا أظن أننا مهيؤون لتقبل أن تكون المرأة ذات صوت ورأي حر في ذات المجتمع الذي يرى صوتها عورة، لذلك تعمد إلى تعبير آخر أكثر هدوءا وأشد وقعا، ألا وهو الكتابة، وأيضا لم تسلم من تهمة "استأجرت قلما ليعبر عنها".. هنا بعض من الضرائب التي على الكاتبة أن تدفعها مقابل أن تحقق جزءا من نديتها أمام الرجل.. هذا هو مجتمعنا، فهم محدود، ونزعة شرقية تأبى إلا أن تسلك طريقها جهارا نهارا دونما رادع ولا محام عن حقوق المرأة الكاتبة. طبعا الحق عليها وليس لها، وهي التي تجاوزت وظيفتها الأساسية كحاضنة تفرخ ثم تكون مسؤولة عن تلك الفروخ التي تسمى أجيال المستقبل، والتي تتحول بقدرة قادر من مرحلة التفريخ إلى مرحلة المنبرية التي تملأ العالم بأهمية حق المرأة، وفي الجانب الآخر صون المرأة، وليت المرأة تبقى كائنا حرا بعيدا عن عباءات الوصاية التي ستبقى عثرة لها، ما لم يؤمنوا بأنها كائن بشري، قادر على أن يكون بمستوى الاسم الذي اختارت له أن يشق طريقه إلى النور.