بدأ الحديث عن فكرة إقامة نظام عالمي مع نهاية الحرب العالمية الأولى، في مؤتمر فرساي عام 1919. وكانت فكرة عصبة الأمم لوزير خارجية بريطانيا وليم جراي التي لقيت تأييدا كبيرا من الرئيس الأميركي ولسون، مما أدى إلى إقرار ميثاقها والإعلان عن تأسيسها. إلاّ أن الكونجرس الجمهوري في أميركا خذل الرئيس ولسون وعارض الاتفاقية ولم يصدق عليها.

لذلك، تأسست عصبة الأمم عام 1919 من 58 دولة، وكان مقرها جنيف في سويسرا، ولم تكن الولايات المتحدة عضوا فيها.

انتهت عصبة الأمم مع الحرب العالمية الثانية التي شهدت تحالفات عسكرية كبرى، اتسعت رقعة معاركها لتطال العالم بأسره، وشهدت تحالف ألمانيا واليابان وإيطاليا في مواجهة تحالف آخر من 26 دولة.

وظهرت فكرة منظومة دائمة للأمن والسلام مع توقيع تشرشل وروزفلت على ميثاق الأطلسي عام 1942. ثم استخدم مصطلح الأمم المتحدة من الرئيس الأميركي روزفلت، بعد الاعتداء الياباني على الولايات المتحدة في ميناء "بيرل هاربر"، والذي كان السبب المباشر لدخول أميركا الحرب العالمية الثانية. وأخذت الفكرة في التطور خلال عدة مؤتمرات ومواثيق، إلى أن جاء مؤتمر يالطا عام 1945، بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، ليضع الأسس التي قام عليها مؤتمر سان فرانسيسكو التأسيسي للأمم المتحدة في أبريل 1945، وتوقيع 51 دولة على الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة التي أصبحت تضمّ الآن 192 دولة.

لا داعي للبحث عن دور للعرب والمسلمين في تأسيس عصبة الأمم أو الأمم المتحدة، لأنهم لم يكونوا جالسين على مائدة المنتصرين أو المتحاربين، بل على العكس من ذلك فقد كانوا من غنائم تلك الحروب التي توزعها فيما بينهم المنتصرون في الحربين الأولى والثانية، رغم التحاق كثير من الدول العربية والإسلامية المستقلة بالأمم المتحدة منذ نشوئها.

إن عالم ما بعد الحرب الباردة ضرب النظام الدولي الجديد خلال تجربة الأحادية الأميركية ونتائجها الكارثية على أميركا والعالم معا، خصوصا بعد احتلال أميركا للعراق خلافا لقرارات مجلس الأمن. وكان ذلك واضحا في المراجعة التي قام بها الحزبان الأميركيان: الجمهوري والديمقراطي عام 2007، وتشكيل لجنة مشتركة عُرِفَت بلجنة بيكر الجمهوري وهاملتون الديمقراطي، والتي جاء في تقريرها اعتبار الأحادية الأميركية انهيارا لأميركا والنظام العالمي معا. بعدها بدأت تتغير أميركا، ويتغير حضورها، وبدأت محاولة إقامة نظام عالمي جديد لم يكتمل حتى الآن.

نستطيع أن نقول إنه لولا العرب والمسلمون وحربهم المؤثرة والموجعة ضد الشيوعية، لما انتصرت أميركا في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية.

ولقد قاوم العرب الشيوعية بقوة وطُرد الخبراء الروس من القاهرة قبل حرب 73، وكذلك من باب المندب في اليمن، هذا إضافة إلى المواجهة الإسلامية الكبرى مع السوفيت في أفغانستان وباكستان وغيرهما.

وقد كان العرب والمسلمون خير حليف لأميركا والغرب في الحرب الباردة، وكان من حقهم أن يجلسوا بعد انتهائها على طاولة المنتصرين إلى جانب حلفائهم الأوروبيين والقوميين الروس، وهم حلفاء أميركا في الحرب الباردة. إلا أن أميركا قدمت الأحادية كنظام عالمي بديل، وتنكرت لأوروبا والعرب والمسلمين، وحقهم في الشراكة لبناء نظام عالمي جديد.

يعرف الجميع أن الأحادية الأميركية سقطت على أيدي العرب والمسلمين، وذلك بسبب عدم اعتراف أميركا بعالمية العرب والمسلمين وحضورهم وانتشارهم وتأثيرهم في الحرب والسلم الدوليين، إضافة إلى أهميتهم الاقتصادية والمالية والجغرافية والبشرية والمعرفية، وتقاطعاتهم القارية الإفريقية والآسيوية والأوروبية وانتشارهم العالمي. وكان ذلك واضحا في تقرير بيكر- هاملتون الذي أنهى الأحادية، وطالب بانسحاب أميركا من مأزقها في العراق، والذي جسّدته سياسة أوباما الانكفائية، والتي أدت إلى تعاظم الفوضى والنزاعات والإرهاب، مما استدعى تشكيل تحالف دولي من 62 دولة، إضافة إلى التدخل الروسي العسكري في سورية، والتمدد الإيراني والإسرائيلي. إنها حرب عالمية كبرى تدور على أرض العرب والمسلمين.

قبل عام من الآن، بدأت ملامح حضور العرب والمسلمين في النظام الدولي الجديد تظهر بوضوح تام، مع إعلان التحالف العربي حول اليمن وعاصفة الحزم التي تكللت بشرعية القرار الدولي 2216 حول اليمن.

إن التحالف العربي بقيادة السعودية يشبه الاتفاق الأطلسي بين تشرشل وروزفلت، ويعدّ بمثابة قاطرة لنظام عربي جديد يمنع انهيار منظومة جامعة الدول العربية بدولها الـ22.

والأمر كذلك في إعلان قيام قوات التحالف الإسلامي في السعودية، وذلك خلال اجتماع رؤساء الأركان الأسبوع الماضي في الرياض، والعمل تحت الشرعية الدولية كقوة إسلامية للأمن والسلم الدوليين، مما ينقذ منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة إسلامية، والتي ستعقد قمتها في 14 أبريل القادم في إسطنبول.

هذا إضافة إلى ما أعلنه وزير الدفاع الأميركي عن الاتفاق مع وزير الدفاع السعودي على التفاهم العسكري الذي سيتبلور في 21 أبريل القادم خلال اجتماع وزراء دفاع مجلس التعاون الخليجي مع وزير الدفاع الأميركي على هامش زيارة أوباما للرياض.

نستطيع أن نؤكد أنه لا يمكن أن يتأسس نظام دولي جديد دون العرب والمسلمين، ولكن العرب والمسلمين يحتاجون إلى نخب تكاملية رفيعة، قادرة على بلورة وظيفة مميزة ومتطورة وفاعلة، وإيجاد الآليات للتحول الاقتصادي والاجتماعي والأمني والسياسي والتعليمي، بما يتلاءم مع الدور العالمي للعرب والمسلمين في النظام العالمي الجديد.