كلنا يذكر موقع ويكيليكس الذي تأسس عام 2007 حينما نشر مليونا ونصف المليون وثيقة تقريبا، من الوثائق السرية السياسية الدولية، والتي أثارت حنق بعض الدول العظمى كالولايات المتحدة وبريطانيا، ودون شك بعض الدول العربية أيضا.

وهنا تطرح الأسئلة نفسها، عن الكيفية التي حصل بها موقع ويكيليكس على ذلك الكم الهائل جدا من الوثائق الخطيرة والمهمة سياسيا، في فترة تعد قصيرة قياسا بعمر تأسيسه؟! ولماذا لم تُنشر وثيقة أميركية أو إسرائيلية واحدة تتحدث عن المستقبل؟! بل تحدثت كل الوثائق تقريبا عن الماضي، ولماذا كان ذلك التوقيت تحديدا لنشر الوثائق؟ هذه التساؤلات قد تبدو بديهية، لكن إجاباتها تتباين حتما، وسأتناولها هنا من زاوية التقنية والسياسة. فمن واقع خبرتي ببعض أسرار جهاز الحاسوب الكمبيوتر وعلاقته الوثيقة بالإنترنت، والبرامج الخدمية والملفات، التي يمكن تضمين قاعدة عريضة منها، بأوامر برمجية معينة يتم زرعها داخلها، بهدف توجيه وربط العديد من الحواسيب بعضها ببعض، بغض النظر عن أماكن تواجدها. وهو ما يصب في مصلحة الطرف المسيطر المستفيد الأول، الذي سيتمكن من الحصول على أدق البيانات وأكثرها سرية في كل تلك الحواسيب المترابطة قسريا، نتيجة استجابتها لتوجيه الأوامر المزروعة بداخلها، ومن تلك البرامج الخدمية واسعة الانتشار التي تُعتبر مشغلا أساسيا، أو ثانويا في حواسيبنا، برنامج نوافذ WINDOWS، أو أدوات المكتب OFFICE، أو برامج الحماية ANTIVIRUS المتنوعة أيضا، وحسب تجربتي الشخصية في هذا المجال سابقا، فإنه من المعقول جدا الحصول على أكثر من مجرد الوثائق فقط، وتخيل أنه يمكنك امتلاك كل ما لدى الضحية المستهدفة من بيانات على حواسيبها أو حساباتها الشخصية على شبكة الإنترنت، بل ومراقبة كل حركة للضحية، سواء أكان متصلا بشبكة الإنترنت أم لا، فالمراقب المزروع في تلك الحواسيب سيقوم بنسخ وتدوين كل حركة للضحية، وإرسال تقرير مفصل للجهة المستفيدة مع كل اتصال للضحية بشبكة الإنترنت، وما أقوله هنا ليس من باب التخويف بقدر ما هو واقع حقيقي، لإمكانية تجنيد البرامج لتنفيذ أعمال تتجاوز ما صممت له أساسا، وتُسمى هذه العملية القرصنة. وربما تم استغفال مستخدمي الإنترنت عبر حواسيبهم، بطريقة غير نزيهة. من قبل مشغلي موقع ويكيليكس، بغية الحصول على مختلف الوثائق بتلك الكميات الهائلة، مع قبولي بفكرة التسريب المتعمد والتخطيط المسبق لكيفية إظهارها، وهنا تبدو أميركا أكبر المرشحين للتهمة، فأميركا دأبت خلال الخمسين سنة الأخيرة، على صنع حرب كل عقد تقريبا. وبالتالي فإن استحداث طريقة ما لصنع خلخلة للمشهد السياسي العالمي، يبدو أمرا ملحا وفكرة مقبولة، لإعادة صياغة العلاقات الأميركية الخارجية بحليفاتها، وإعادة ترتيب الأوضاع كما ترغب، كونها عسكري العالم بلا منازع، والمشهد السياسي للشرق الأوسط بحالته الراهنة، قد يُعطي أميركا المبررات الكافية لمواجهة عسكرية مع إيران، بهدف تعطيل برنامجها النووي، والمحافظة على مصالحها بالمنطقة، وترسيخ تواجدها العسكري لضمان تدفق النفط، لمعالجة أزمتها الاقتصادية وتداعياتها على الحياة الأميركية، وأزمة الرهن العقاري المدوية.

وتسريبات ويكيليكس تتوافق زمنيا مع احتياج أميركا لزوبعة مثيرة، تمهد ربما لشن حرب جديدة، تبرر تواجدها على المسرح الشرق أوسطي لأطول فترة ممكنة، ما قد يكلفنا نحن العرب كثيرا، لقد تحدثت وثائق ويكيليكس عن أميركا كثيرا بكل صيغ التخاطب وأسماء الإشارة، ماعدا صيغة المستقبل؟! وهي الصيغة التي لم ترد في أيٍ من الوثائق التي نُشرت عن أميركا؟! فلماذا تجنب موقع ويكيليكس نشر الوثائق المتعلقة بكوارث إسرائيل مع العرب والفلسطينيين؟! لهو أمر مريب وملفت للنظر! والمريب أكثر أيضا هو حصول ويكيليكس على كميات هائلة، وغير مسبوقة من الوثائق المتعلقة بالسياسة الخارجية الأميركية! وكيف نبرر غياب القوة الأمنية الرقابية الأميركية من الحدث؟! فإذا ما وافقنا على أهمية وسرية تلك الوثائق المنشورة، وصعوبة الوصول إليها، فلن يتبقى لنا سوى القول بأن أميركا قد يكون لها اليد الطولى في تسريبها وبتقنين مدروس، في هذا التوقيت المهم، وبالتالي ستكون تسريبات ويكيليكس صناعة أميركية خالصة ربما، وجزءا صغيرا من المشهد الذي ترغب أميركا في رسمه، لتبرير تحركها القادم على مسرح الأحداث عالميا.

ودعوني ألفت انتباهكم إلى ما يُعرض في الفترة الحالية على شاشات القنوات الأميركية أو تلك المهتمة بالأفلام الأجنبية من القنوات العربية، ولاحظوا عدد ونوعية الأفلام التي تتحدث عن الحرب والقتال، وتزامنها مع المناورات العسكرية الأميركية الكورية الجنوبية، وكأنما هناك تهيئة لأجواء ما قبل البدء. وها نحن نعيش تشكل شرق أوسط جديد، وخارطة طريق جديدة.