تتجاوز فتاوى عموم الحاخامات في إسرائيل وخارجها، وعلى نحو خاص حاخامات اليهود الشرقيين في إسرائيل "المزراحيم"، قضايا الحياة اليومية لليهود وأمور العبادات والأحوال الشخصية، مثل الميراث أو الزواج أو الطلاق. مثل: "لا يجوز للأحدب الانحناء قرب كنيسة حتى لو كان يعاني من ألم في الظهر"؛ إلى قضايا مناخية مثل التسونامي، أو إعصار كاترينا في الولايات المتحدة. والأخطر تلك الفتاوى السياسية التي تتعلق بقرارات إستراتيجية تتخذها الحكومات الإسرائيلية.
وآخر هذه الفتاوى ما برر فيه طرد كل الفلسطينيين من أرضهم، بدعوى أن التوراة تحظر على غير اليهود أي "الغوييم" (الأغيار) العيش في إسرائيل. وأن المبرر الوحيد لوجودهم هنا هو أن يخدموا اليهود. فقد أعلن الحاخام الشرقي الأكبر لإسرائيل إسحق يوسف، في موعظته الأسبوعية التي ألقاها السبت 26/ 3/ 2016 وأذاعتها القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، أنه بموجب التوراة محظور على غير اليهود السكن في "أرض إسرائيل". وفي نظر الحاخام يوسف فإن مبرر سكن "غوييم" في أرض إسرائيل هو خدمة سكانها اليهود: "من سيكون الخدم؟ من سيكون المعاونون لنا؟ لذلك نبقيهم هنا في البلاد". وكان الحاخام يوسف قد تطرق في موعظته الأسبوعية منتصف مارس 2016 إلى موجة العمليات التي ينفذها فلسطينيون ضد إسرائيليين. وقال: إن "أتى أحدهم حاملا سكينا، فقتله فريضة". وبرر ذلك بقوله "بادر إلى قتل من يأتي لقتلك. لا ينبغي الخوف من شيء لاحق.. أن يصلوا بك لاحقا إلى المحكمة العليا، أو أن يأتي رئيس أركان ويقول كلاما آخر.. هذا أيضا يردعهم. لحظة أن يعلم المخرب أنه إذا جاء مع سكين فإنه لن يعود حيا، هذا أمر يردعهم. لذلك قتله فريضة".
والحاخام المذكور هو ابن الحاخام الشرقي الأكبر الأسبق لإسرائيل عوفاديا يوسف المعروف بعنصريته ضد العرب التي لا تعرف حدودا. فالعرب في نظره، "صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعا"! كما قال الحاخام الأب: إن "العرب والفلسطينيين شر مطلق، وإنهم يضرون ولا ينفعون، بل هم كالأفاعي السامة، يقتلون ويغدرون، ويؤذون ولا ينفعون، وينبغي على اليهود وضع الفلسطينيين في زجاجة مغلقة، ليمنعوا شرهم، ويصدوا خطرهم، ثم ليموتوا خنقا فيها". وذهب إلى حد القول إن: "اليهودي عندما يقتل مسلما فكأنما قتل ثعبانا أو دودة... لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث". ويتداول في إسرائيل منذ كتاب "توراة الملك" ألفه الحاخام يتسحاق شابيرا، وهو رئيس إحدى المدارس الدينية اليهودية في نابلس، وهو عبارة عن مجموعة من الفتاوى تبيح قتل الأغيار أو غير اليهود، استنادا إلى تفسيرات العهد القديم والتشريع اليهودي. وسمح بقتل المدنيين الأغيار لمجرد تشجيعهم على الحرب على اليهود أو "إضعاف موقف اليهود حتى بالكلام"، وأفتى بقتل الأطفال إذا كان وجودهم سيضر اليهود بعد بلوغهم، بل المس بأولاد زعماء الأغيار لممارسة الضغوط عليهم. وأخطر ما أكده الكتاب هو أن القتل أمر فردى لا يخضع لقرارات الدولة والجيش.
ومن الفتاوى المتعلقة بقرارات إستراتيجية تتخذها الحكومات الإسرائيلية مثل: القرار الذي اتخذته حكومة إسحق رابين بشأن اتفاق أوسلو 1993 والذي أودى بحياته فيما بعد (1995) بموجب فتوى شرعية، وأيضا قرار أرييل شارون فك الارتباط من جانب واحد مع قطاع غزة (2005)، الذي صدرت فتاوى بتحريمه وهدر دماء من يوقعه، وعدم الدعاء لصانعه بالشفاء.
ومن الملاحظ أن فتاوى القتل والتحريض التي يطلقها الحاخام يوسف وغيره من الحاخامات لا تلقى أية إدانات واستنكارات، بل يبدي المجتمع الدولي نوعا من اللامبالاة تجاه هذه الفتاوى وغيرها من الدعوات المتطرفة التي تدعو بشكل علني إلى استباحة الدم الفلسطيني. وتحض على التطرف ضد العرب والإسلام.
في الوقت نفسه، يندد المجتمع الدولي بوحشية ورزمة فتاوى أو إرشادات نشرها تنظيم داعش الإرهابي، منها: "حظر ارتداء الجينز على النساء"، "حظر جلوس النساء على المقاعد في الأماكن العامة"، "حظر استخدام العطور"، "حظر سماع الموسيقى والغناء"، "حظر تعلّم الرياضيات أو نظرية التطوّر". ويبدو أن للصمت عن تطرف الحاخامات والضجيج تجاه التطرف "الداعشي" مبررات سياسية وبراجماتية ورزمة خرافات وأساطير ذات صلة مباشرة بضرورة استهداف العرب وعموم المسلمين.