وفي الجواب على التعليقات الواسعة على مقالي السابق إلى معالي وزير التعليم سأقولها اليوم مكتوبة مسموعة: نعم... المدرسة ليست مكاناً للتربية ويكفيها من المهمة الكبرى أن تكتفي بمهمة التعليم. نعم.... مرة أخرى هناك مساحة شاسعة ما بين المصطلحين، ما بين التعليم وما بين التربية، ولعله من أجل هذا الخلط الفاضح أضعنا جوهر التعليم، ومن أجله أيضاً لا زلنا نقبع في مراتب تالية متأخرة ومتخلفة في أساسياته لسبب واضح بسيط: تحميل المدرسة أكثر مما يجب.

هنا يبرز السؤال: هل على المدرسة تعليم الملايين من أبنائنا أساسيات العلوم من أجل المستقبل أم هل المدرسة ناد اجتماعي للتدريب على الأخلاق والقيم؟ وأنا أقصد بالضبط بالأخلاق والقيم ما يسمى في النظرية بـ"social values" وهنا تصعب الترجمة رغم سلاسة المفردة. الكارثة أننا، ومن أجل حداثة التعليم استوردنا المفردة الشهيرة في مصطلح الـ"educatoin" وهي مفردة ومصطلح بالغ الخطورة عند الترجمة إلى العربية لأنها تصلح أن تترجم إلى ذات المعاني نفسها بذات الدقة: هي التعليم وهي التربية. وكل ما أقصده بالضبط أن المدرسة مسؤولة عن التعليم ولا دخل لها بالتربية. حتى الاسم السابق لذات الوزارة كان مستورداً من دول صديقة شقيقة برهنت مع الزمن على فشل نظامها التعليمي لأنها خلطت ما بين التعليم وبين التربية، بينما هما وللحق مصطلحان متنافران يصعب الجمع بينهما تحت سقف واحد. هكذا تقول أحدث نظرية.

والخلاصة التي أود أن أصل إليها: دعونا نرسل أطفالنا كل صباح إلى مدارسهم من أجل التعليم... دعوا التربية للمنزل. هنا يبرز السؤال: هل المعلم مسؤول عن تربية من تخلى عنه والداه؟ وهل سيكون هذا المعلم البائس المسكين تحت طائل المسؤولية فيما لا يفعله الآباء في المنزل؟ دعونا نفضح الكذبة الكبرى في كل ما يحمله أطفالنا كل صباح من الكتب التي تذهب هدراً إلى كذبة التربية لا إلى حصص التعليم: نحن بالملايين عبرنا هذه المدارس خلال كل تلك العقود من الزمن وخذوا في هذه الأمثلة: هل تعلمنا فرائض الصلاة في المدرسة؟ هل لم نتقن طهارة الوضوء إلا في المدرسة؟ هل لم نصل أرحامنا لولا المنهج والكتاب المدرسي؟ هل لم نعرف فوارق الحلال والحرام لولا المدرسة؟

والخلاصة في النهاية: هناك كذبة كبرى جعلت من المدرسة ومن المعلم ومن المنهج والكتاب المدرسي مسؤولة تتحمل أكثر مما يمكن لكل هذه الأركان أن تتحمله: المدرسة مكان للتعليم لا للتربية وعلى ذمتي أحمل كل ما كتبت.