كثيرة هي التصريحات التي وعد فيها المسؤولون بالنظر في نظام الوظائف المدنية، خاصة ما كان منها على سلم المراتب، وعلى تكرار هذه التصريحات، واعترافها بقدم لوائح هذا النظام وجموده، والضرر الذي لحق بالموظفين والموظفات المشمولين به، من حيث مرور سنوات الاستحقاق للترقية للبعض دون الحصول عليها، وثبوت العلاوة السنوية بعد وصول أقصى درجات السلم للمرتبة التي يشغلها، إلا أنها بقيت تصريحات دون نقاش جاد للوصول إلى حلول تعيد الحقوق للأكثرية من موظفي الدولة على هذا النظام، غير موظفي المستويات والعسكريين وقطاعات أخرى محدودة، أما بقية الكوادر فهي ترزح تحت هذا المسمى، وعلى الرغم من التشابه الكبير في نوعية الخدمة والمهام التي يقوم بها بعض من موظفي المراتب مثل الباحثين والباحثات والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في وزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة ونظرائهم من المعلمين في وزارة التعليم، إلا أن فارق المزايا مرتفع جدا، فالباحث مثلا أوالأخصائي يقوم بالجهد نفسه بل وأكثر مما يقوم به المعلم، ويتعامل مع حالات متباينة من حيث الفكر والعمر وحتى الإعاقة، غير أن المعلم يتمتع بميزات أكثر، ماديا ومعنويا، كطول الإجازة السنوية مثلا وساعات العمل اليومية، والتي لا يقضيها المعلم بالكامل مع التلاميذ بل في جدوله وقت للراحة ربما حصة أو أكثر.
الغريب أن مقابل هذه الميزات ضعف واضح في المخرجات، والضعف لا يعود إلى صعوبة المنهج مثلا أو تخلف التقنية المساعدة، الخلل فيمن تعهد بحمل الأمانة ثم تقاعس ليتفرغ للتشكي وادعاء المظلومية.
وللأمانة، نحن لا ننكر جهود المخلصين منهم، غير أنهم قلة، والغالبية لم يقدموا إلا النزر اليسير، سلبيتهم وتنصلهم عن المسؤولية تبدو جلية، حيث نهاية علاقته بالبيئة المدرسية والطالب فور إعلان الجرس نهاية اليوم الدراسي، والذي ربما لم يعطه حقة منشغلا بمواقع التواصل الاجتماعي ومشاركة جماعات الـ"واتس" آخر النكات والمقاطع. ومع الأسف، ظهرت سلبية المعلمين والمعلمات في مناطق الحد الجنوبي خلال الفترة الماضية، والتي توقفت الدراسة في كثير من مدنها بسبب الوضع الأمني، غير أن الواقع خلا من أي مبادرة للمعلمين من الجنسين في عملية معالجة الوضع، ومساعدة الأهالي في التغلب على كثير من العقبات، فلو شكل المعلمون تجمعات تطوعية في الأحياء التي يسكنونها، واستقبلوا الطلاب في الأحياء نفسها لشرح بعض الدروس مثلا، أو حتى متابعة من هم على نظام التعليم عن بعد، لأسهموا كثيرا في أداء رسالتهم، إنما لوحظ أنه حتى عندما يحضر الطلاب إلى المدارس البديلة يقابلونهم بالتجهم والرسائل المبطنة ألا نراكم بعد اليوم.