توشحت ثوب الستر .. لبست مريول العلم.. حملت حقيبتها.. تزودت بكل الأدوات المطلوبة.. يحدوها الأمل.. اتجهت نحو مدرستها .. آمنة مطمئنة .. وفي لحظة ما.. استظلت في مدرستها تحت قطعة من حديد.. تتفيأ الظلال .. كانت تخفف لهيب القيظ .. لم تكن تعلم أن لحظة الراحة تلك وما يصاحبها عادة من فرح ستكون نهاية المطاف لرحلة العمر المسكون بالآمال والأحلام بتحقيق المبتغى.. ولكن!! إلى الله المشتكى. المدرسة بيت ثان لأصحاب العلم من أبنائنا وبناتنا.. الكل يرسل فلذة كبده مطمئنا بأن المؤسسة التربوية متزينة بكل أنواع العلم والراحة.. لا يساورهم شك في أن أبناءهم وبناتهم في يد أمينة وضعوا.. لكن الطالبة فاطمة عسيري غُدر بها على حين غرة حينما سُلم مشروع مظلات مدرستها لعابث لا تهمه أرواح الناس، فتخطفها الموت تحت الملاذ الآمن ــ من وجهة نظرها ـ حينما استظلت من لهيب الشمس .. مظلة قاتلة نُصبت بيد لا تخاف الله ولا تهاب المسؤول.

ما حدث في مدرسة الريش في محايل قد يحدث في مدارس أخرى، فقد سقطت المظلة وأودت بحياة فاطمة وأصابت 26 طالبة .. سقطت المظلة ومعها وقبلها سقطت الأخلاق والآداب والقيم لمنفذ عملية البناء والتشييد لمثل تلك الأعمال، وحتى من استلم وشارك كلهم أمام الله مسؤولون يوم لا ينفع مال ولا بنون. سارعت الوزارة كعادتها في ردة فعل ما بعد الحدث .. لجنة عليا .. دانت المقاول المنفذ وأوضحت أن المواصفات والشروط غير مطابقة .. وماذا بعد؟ خلّفت العملية ضحية .. وهلعا وخوفا وإصابات جسدية .. والإصابات النفسية أشد ألما، ولن تبرح ذاكرة الطالبات ما بقي من أعمارهن هذه الحادثة الأليمة .. ـ لا اعتراض على قدر الله ـ ونعلم أن كل ما في الكون مدبر ومكتوب.. فهل يكتب بمداد واضح ويضرب بيد من حديد على يد من ينفذ ويسلم ويستلم المشاريع؟ .. كل المشاريع .. فهم يأكلون شحمها ولحمها ويرمون الناس المستفيدين من خدماتها في هاوية المعاناة اليومية .. واسألوا الناس والطرقات والمركبات ومدارس البنين والبنات.. فقد كشفت السيول غطاء المشاريع .. وما سقوط المظلة واتهام المطر عنا ببعيد .. وقد شيعت جنازة الطالبة ولا زالت مقبرة الريش شاهدة على سوء تنفيذ راحت ضحيته شابة في مقتبل العمر . كبش الفداء هنا قد يكون المقاول .. وهذا الإجراء يذكرني بما يحدث في كرة القدم حينما يكون المدرب هو الضحية مع أن منظومة العمل لم تقم بواجبها على الوجه الأكمل. وأولهم المسؤول.. والمسلم والمستلم والمعتمد والمواصفات والشروط....من المسؤول؟ يا بناتنا في ثانوية الريش عذرا .. فقد فاضت روح فاطمة تحت مظلة مدرستكن.. فاحذرن !! رحمها الله وألهم ذويها الصبر والسلوان..