المنهج الخفي عبر الصحوة/الغفوة ورغم ما اقترفه في حق التحديث والتطوير، إلا أنه ليس كل شيء، فهناك أسباب أخرى يمكن الإشارة إليها، ومنها ما يعود في جزء كبير منه إلى اعتياد الناس على الطبيعة (الريعية) التي عاشوها لعقود طويلة، إذ ينتظرون المبادرة دائماً تأتي من الأعلى كحمولة كاملة من الهبات والعطايا، بينما الواجب على المواطن متابعة القيادة السياسية في ما تعطيه من إشارات تساعده في الاعتماد على نفسه، ليثبت أنه مؤهل لما هو أكثر في حقوق المواطنة (سياسياً واقتصاديا واجتماعياً)، بدلاً من نسبة الفشل الدائم إلى الحكومة، فالحكومة ككتلة بشرية هي أنا وأنت، هو وهي، فمن هو الفاشل ابتداءً.
الانتخابات الطلابية في المدارس، والتي هي ميدان (المنهج الخفي) لم يتفاعل معها الجسد التربوي ربع تفاعله القديم مع ثقافة المخيمات والمراكز الصيفية، فلو أنها أعطيت زخماً في مدارسنا منذ سنوات عبر طلابنا بما يرتد على أسرهم في بيوتهم كثقافة جديدة رأس حربتها المشاركة الاجتماعية ذات الطابع المدني، يساوي الزخم الذي كان يُعطَاه الطالب قديماً، للمشاركة في مخيمات ومراكز صيفية تغذي النشء ومن ورائهم أسرهم بفكر (الحاكمية)، الذي يجعل الطالب يرى الدولة خارج إطار الدين، وفي أحسن حالاته يراها تتعمد أحياناً التقصير في جناب الدين، وذلك حسب توجهات شيوخه من السرورية والسلفية المتشددة، فيكبر ليصبح موظفاً في الدولة، ناقماً في السر عليها، ويتعايش مع شعوره هذا وفق معطيات (لقمة العيش وأخف الضررين مع الإنكار على ما يتوهمه من منكرات الدولة بالقلب)، وتلك مصيبة تطعن في وعي المواطنة، وتظهر في وسائل التواصل الاجتماعي على شكل احتقان فاقع ضد التوجهات الوطنية العليا.
القرارات الإصلاحية يجب أن يعنينا فيها نفع المواطن عموماً، وكلمة (مواطن) كلمة خاصة بالدولة الحديثة، تذوب أمامها كل الفوارق العشائرية والطبقية والمذهبية والعقائدية، ومن يريد الطعن في هذه الكلمة فهو لا يريد وطناً للجميع، بل يريد أرضاً يقيم عليها عُقَدَهُ لا عقيدته، متناسياً كل ما حوله لنرى الحروب في الوطن العربي فيما بيننا وعلينا بأسلحة الدول العظمى (أميركا، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا) ووسائل حياتنا من الإبرة تخيط ثيابنا إلى ناقلات نفطنا، تقوم بها دول العالم الصناعي شرقاً وغرباً، فهلا امتلكنا الكثير من التواضع لندرك حقيقة حجمنا الحقيقي في العالم، وبصدق.. فإن القليل من التواضع لا يكفي لإدراك الفرق بين انشغالات العالم وانشغالاتنا، فالعالم من حولنا إما جائع خائف نكابر عليه بدهن العود نغسل به أيدينا، وإما قادر متقدم يقيم المعارض الدولية لآخر منتجاته وتقنياته ونكابر عليه بمهرجانات الإبل.
ثقافة حقوق الإنسان تعتبر أرضية حقيقية لفهم حقوق المواطن، وإيقاف المفاهيم الخارجة عن زمننا في فقه (الحربي والذمي وبيع السبايا)، فالملك فيصل مثلاً عندما اختار طريق إنهاء الرق في السعودية، اختار طريق الدولة المدنية الحديثة المتناغمة مع حقوق الإنسان العالمية، والتي تتقاطع أصلاً مع مقاصد الشريعة التي للأسف لا ندركها إلا متأخرين لأن بعض من يشار لهم بالفقه تحولوا إلى سدنة يحرسون أقوال سابقيهم، فبدلاً من أن يصبحوا فقهاء مجددين، تحولوا إلى مقلدين صلفين لا يرون إلا ما قاله آباؤهم الأولون كقطعيات مقدسة، لا لأن نبينا الكريم قطع بها، بل لأن شيخ طريقتهم شدد عليها، فيرددوها بصلف صادق يقطع نياط القلب لمن يحبهم ويشفق عليهم، ويدغدغ بالضحك الشانئ لهم والشامت بهم.