عند العودة إلى المعنى الاصطلاحي لـ"اللغة"، والتي تعرف بأنها الوسيلة التي يتم خلالها استنتاج الأفكار وتحليلها، فإنك ستتيقن أن لغة الجسد هي إحدى تلك الوسائل "غير اللفظية" التي تستطيع خلالها تمرير فكرة ما، ولكن هل تستحق هذه اللغة الاهتمام الذي تقابله في المجتمعات الغربية؟

فعلى المستوى الأكاديمي، تجد في كبريات الجامعات الأميركية أقساما تختص بدراسة لغة الجسد، كأحد العلوم التي من شأنها خدمة البشرية، فعن طريقها يمكن كشف أكاذيب المجرمين خلال التحقيق، والتحليل الموقفي للحالات المزاجية للساسة والمشاهير.

شخصيا، كنت واحدا من المبهورين بهذه اللغة وقدرتها على نبش خفايا الأشخاص، وقد تركز اهتمامي في البداية على اللغة غير اللفظية التي يحاول تمريرها الشخص خلال إطلاق الأكاذيب "باعتبار أننا مجتمع معدوم الثقة بمن حوله"، فسخّرت كل إمكاناتي، ذلك الحين، لدراسة البحوث والكتب المتعلقة في كيفية كشف الكذب خلال لغة الجسد، إلى أن وصلت إلى مرحلة أستطيع خلالها تطبيق ما تعلمته في المجتمع المحيط بي، فكانت أول حالة أقوم بتطبيق دراستي عليها أحد أصدقائي، والذي كنت أعتبره "قاعدة إطلاق صواريخ" تمشي على وجه الأرض، عندها أطلقت له العنان كي يبدأ بالتفريغ عن "صواريخه"، وأقوم بتحليل لغة جسده، ولكن المفاجئ لي أن لغة جسده جعلتني أصدق أكاذيبه، رغم علمي أنها منطلقة من قاعدته الصاروخية لا من ضميره الإنساني البريء!

حينها، خالتني بعض الشكوك من هذه اللغة، فقررت تطبيقها على شخصية معاكسة للأولى، وهما صديقان آخران: أحدهما، كان يحكي للآخر واقعة حدثت أمامي حين كنت برفقته، ورغم أني كنت من حاضري تلك الواقعة التي لم يغير صديقي من تفاصيلها شيئا، إلا أن لغة جسده جعلتني أكاد أصرخ في وجهه "ياكذاااب"، لولا أني شاهدت ما كان يقصه بعيني.

عندها تبين لي أنه إذا لم تكن تحليلات لغة الجسد "خدعةً" يراد منها إشغال الشعوب الأخرى عن مضمون الخطب والاجتماعات السياسية، فإنها لن تستطيع ممارسة أساليبها الخبيثة في المجتمع السعودي الذي يشمل نصفه وجوها بلا شعور، والنصف الآخر وجوها مقنعة تظهر ما تبطن رغم أنف لغة الجسد.