العنوان أعلاه يرد دائما في التعليمات والتعاميم المنظمة لعمل المرأة عندنا. الآن ظهر تعبير جديد متداول بين كثير من فقهائنا وعامة الناس؛ هو "الحجاب الشرعي الكامل"، ويقصدون به "غطاء الوجه"، ووصف هذا الحجاب بأنه كامل يستلزم أن الحجاب الذي لا يشمل غطاء الوجه بأنه "حجاب شرعي ناقص"، والتعليمات المنظمة لعمل المرأة تكتفي  بـ"الحجاب الشرعي"، وتترك تفسيره بأنه ناقص أو كامل إما للمرأة نفسها، وإما لصاحب العمل، وقد يكون لكل منهما تفسيره الخاص للعبارة، وهذا قد يخلق مشكلة بين الطرفين، فهما لا يعرفان ماذا يقصد المشرع الحكومي بقوله: "الحجاب الشرعي".

على المشرع أن يوضح مقصوده بعبارته، وليكن صريحا بأنه يقصد بالحجاب الشرعي كذا وكذا، حتى لا يترك المسألة موضع اختلاف بين الأطراف.

أعتقد أن المشكلة في مفردة "حجاب" فهي مفردة لا علاقة لها بلبس النساء، ولم ترد بأي معنى له صلة بلبس النساء في القرآن الكريم ولا في اللغة العربية، وإنما استخدمها الناس أخيرا حين غاب معناها الأصلي. فالحجاب هو الفاصل بين شيئين وليس جزءا منهما، فمريم عليها السلام "انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا" أي أنها في مسجد خالها زكريا الذي كانت قائمة عليه، وهو غير المكان الذي فيه أهلها ولا تقابل منهم أحدا، ولا يدخل عليها أحد إلا زكريا عليه السلام.

وقال تعالى على لسان سليمان عليه السلام: "إني أحببت الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب"، أي حتى غابت الشمس وراء الأفق. وكل معاني "الحجاب" في القرآن الكريم تعني فاصلا بين شيئين وليس لبسا لأحدهما أو جزءا منه.

ومن معاني الحجاب في اللغة منع الدخول إلا بإذن، وكان للولاة والأمراء حجاب يمنعون الدخول عليهم إلا بإذنهم. أي أن بين الناس وبين الأمير حجابا فاصلا لا يسمح لهم بعبوره إلا بإذن الحاجب.

وبهذا المعنى جاءت آية 53 من سورة الأحزاب لمنع الصحابة من دخول بيوت النبي عليه السلام إلا في حالتين؛ الأولى: إذا كانوا مدعوين إلى طعام، وعليهم أن ينتظروا خارج البيت حتى تتم دعوتهم للدخول، وعليهم أن ينصرفوا فورا بعد تناوله، الحالة الثانية: الزيارة الشخصية فلا حرج فيها لتلك الفئة من الأقارب التي حددتها الآية، أما في حالة احتاج أحدهم إلى متاع من أحد بيوت النبي، ولم يكن من محارم زوجاته فعليه أن يقف خارج البيت "من وراء حجاب" بحيث يسمع صوته من بالداخل، ثم يطلب ما يريد وينصرف.

هذه الآية موجهة كلها من أولها إلى آخرها للرجال، وكل الأحكام الواردة فيها ملزمة للرجال، فلنقرأها معا بإخلاص: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا، فإذا طعمتم فانتشروا، ولا مستأنسين لحديث، إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم، والله لا يستحيي من الحق، وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب، ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن، وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، إن ذلكم كان عند الله عظيما".

إن بيوت النبي عليه السلام محيطة بالمسجد، حيث تجمع الصحابة وليس لبيوته حجاب يمنعون الناس من الدخول، والنبي لا يكون في كل بيوته في اللحظة ذاتها بل في أحدها، أما بقية البيوت ففيها زوجاته رضوان الله عليهن، ولهذا جاءت الآية توجه رجال الصحابة إلى سلوك محدد مع بيوت النبي، حفاظا على طهارة قلوبهم، ورفع الحرج عن النبي الذي كان يتأذى ويستحيي منهم، ذلك هو الحجاب بمعناه الشرعي الحقيقي وليس له أبدا صلة بلبس النساء.

ولهذا، فإن تعبيرات قانونية مثل "يلتزمن بالحجاب الشرعي"، ناقصا أو كاملا، لا معنى لها.

هناك آيات خاصة بلباس النساء: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن" الأحزاب 59 وقوله تعالى: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن" النور 31.

أرى استبدال جملة "يلتزمن باللباس الشرعي"، وهي الصحيحة، بجملة "يلتزمن بالحجاب الشرعي" الخاطئة.