في داخل نورة الزهراني (34 عاما) تقطن عداءة أسرع من الأميركية كارميليتا جيتير. أسرع بكثير. نورة التي فقدت زوجها وقدرتها على المشي في حادث سيارة عام 2003 حصلت الشهر الماضي على درجة الماجستير في الرياضيات. لم تكتف نورة بالماجستير من جامعة لندن بل حصلت على قبول لمتابعة دراسة الدكتوراه في جامعة نيوكاسل. وسجلت حضورا اجتماعيا وتطوعيا لافتا طوال إقامتها في المملكة المتحدة. فقد خصصت العام الماضي 6 ساعات أسبوعيا لمساعدة طلاب وطالبات البكالوريوس مجانا. وعندما شاهدتها لأول مرة في لندن قبل أربع أشهر اعتقدت أنني أنا من يسير بكرسي متحرك وليس هي. ابتسامتها لم تنقشع من وجهها وأطرافها طوال حديثنا. تبتسم حتى تبدو نواجذها. لديها أربعة مشاريع بحثية تعكف على إنجازها خلال العامين المقبلين، ورحلة علمية وشيكة إلى أستوكهولم. واللافت للنظر أكثر من ابتسامتها الفاتحة للشهية للأمل والعمل هو والدها الذي كان يقف بمحاذاتها بحبور. فهو فخور بطموح ابنته وشجاعتها. ببرها واهتمامها به. فهي رغم انشغالها الدائم والقيود التي تفرضها عليها حالتها الصحية تحرص على إعداد الطعام له. وتسعى جاهدة أن تساعده على تطوير لغته الإنجليزية وقضائه وقتا ممتعا. يقول: "لا تنام قبل أن تتأكد أنني حفظت عشر كلمات إنجليزية جديدة، وأكلت وجبة العشاء".
كرسيها واهتمامها بوالدها لم يحرمها من تكوين صداقات عديدة واكتساب معارف جديدة. فهي دائما محاطة بنوال وسحر وكارين. يسافرن معا من معرض إلى آخر ومن حديقة إلى أخرى ومن لغة إلى أخرى. تشجع نورة كارين على تعلم اللغة العربية، مقابل أن تساعدها على تعلم اللغة الألمانية. وفي وقت فراغها تكتب الشعر والنثر. وتحضر مسرحيات بريطانية وفعاليات ثقافية. وحينما سألتها: كيف تستطيع أن تقوم بكل ذلك. أجابتني وهي ترسم ابتسامة كبيرة على وجهها: "ألا تشاهد أقدامي الأربعة؟".
هذه الروح المتوثبة والابتسامة الراضية المطمئنة والإيمان بقضاء الله وقدره لم يجعلها تتحرر من ظروفها الصحية فحسب بل جعلها تتحرر من ظروفها النفسية التي تتمثل في وفاة زوجها وشريك حياتها أمامها. واجهت أزمتها الجسيمة باحتساب الأجر عند الله والعمل دون كلل أو ملل. لم تترك للوساوس والشياطين فرصة للعبث بحياتها ومستقبلها.
جديتها وانضباطها، التزامها ومثابرتها عناصر ساهمت في صعودها وتألقها. تقول صديقتها سحر وهي تضع يدها على يد نورة: "ستصبح دكتورة قريبا، وأيقونة تزهو بها كثير من السعوديات. إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا".
إن الإنجاز الحقيقي لا يحرزه مفتولو العضلات بل مفتولو العقول الذين يزيدون مخزونهم المعرفي بالاستكشاف والتفكير وليس بالبروتينات والتصفير.
أشفق كثيرا عليّ وعلى كل من يهزمه ألم ضرس، في حين نجد نورة وغيرها ممن ابتلاهم الله بما هو أشد ألما ومرارة يتحلون بالصبر والابتسامة.
ربما لا يكون لدينا في السعودية عداءات. لكن أعتقد أن نورة الزهراني تستحق مجازا أن نطلق عليها لقب أسرع عداءة سعودية. فقد هزمتنا أجمعين. تجاوزت كل العراقيل والمنافسين بذكاء ورباطة جأش وسرعة قياسية. تحية خالصة لها ولأبيها الذي لم يبخل عليها بتشجيعه ومؤازرته. تحية لطموحاتها التي لم تبعثرها الأنباء السيئة بل زادتها قوة وتماسكا وإصرارا.
نجاح نورة يؤكد أن الأحلام لا تحتاج إلى سيقان بل إلى إرادة وعزيمة وجسارة. فكم حولنا من شباب يافعين يتدفقون صحة وطاقة، لكنهم لم يتقدموا قيد أنملة. اكتفوا بالشكاية والنحيب. إن من يبحث عن الأعذار لن يكتب له الفوز والانتصار. فلنتعلم من نورة كيف استطاعت التحليق وفي جوفها يشتعل أكبر حريق؟!