لم تكد تطوى أوراق الملتقى النقدي الذي نظمه قسم اللغة العربية بجامعة الملك خالد تحت عنوان "الحركة الشعرية بمنطقة عسير" احتفاء بمرور 40 عاما على تأسيسه. حتى برزت أسئلة حول مدى تطور التجربة الشعرية في عسير. وهل الحركة الشعرية بمنطقة عسير تحتاج لمثل هذا الزخم النقدي؟

وهل الأوراق البحثية قدمت جديدا أو كشفت عن تجارب شعرية جديدة؟

وهل الشعر في عسير أصبح منافسا في المشهد الشعري العربي؟

وهل نجح الحوار العلمي في تحقيق أهدافه؟

هذه الأسئلة وغيرها، استثارت عددا من الأكاديميين والشعراء الذين شاركوا في الملتقى فتساءلوا بدورهم.. لماذا يستكثر البعض نقاش التجربة.. وهل هي لا تستحق فعلا؟




التفاتة واعية

تحتاج التجربة الشعرية العسيرية لهذه الالتفاتة الواعية والناضجة للانفتاح على الذاكرة الإلهامية ونفض غبار التغييب الجائر. حيث قدمت جلسات الملتقى ذلك الفيض نقدا وتحليلا واستشرافا وتغلغلا في التفاصيل العميقة للمتن الشعري العسيري وعوالمه المختزنة من حيث المحايثة الزمنية والدلالات البنائية واستحضارها بتلك الصورة المبتغاة، وما تحفل به من مطارح شعرية ومساجلات كونية وإنسانية. وليس هناك معايير جمالية وحضورية نحتكم إليها لمعرفة منسوب المنافسة، ولكن الرؤية المنصفة تقول إنها تجربة تشكل نبرة ومدارا قوليا استثنائيا في المشهد والمعطى الشعري العربي ونجاح الحوار العلمي، كون المفتاح الأول لنجاحه هي تلك الأسماء المتبصرة، التي تولت وانشغلت بالدراسات المعمقة، وقدمتها بحيوية وقدرة ناقدة وإشباعية

أحمد عسيري

* شاعر


 





النقد والدفع

وهل الحركة الشعرية في عسير لا تحتاج هذا الدرس النقدي، ولا أقول الزخم! هل (حرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس)على امتداد الوطن العربي تقام الحلقات النقدية عن شعراء مدرسة أو جيل أو مكان؛ فلم نستكثر ذلك على شعراء عسير بذلك السؤال العنيف هذا. فالنقد يشير إلى النماذج الشعرية ويحاورها، يصفها حينا، ويتعمقها أخرى! يثير الأسئلة أحيانا، ويكتب نصوصا إبداعية نقدية موازية .. قد يعين ذلك المتلقي على إعادة اكتشاف شاعر،أو تملي ظاهرة معينة لديه. وقد يكون النقد أقل بكثير من تجليات النصوص.. لا يمكن أن نقيس بمقياس واحد كل الأوراق بالطبع. والشعر في عسير شعر عربي، مثل الشعر في مصر والشام والعراق أو في المهجر، الشاعر العربي في عسير وفي نيويورك وفي موزمبيق يقف أمام تحدي هذا السياق المتدفق من ذاكرة الشعر، فمنهم السابق ومنهم اللاحق ومنهم من هو بين ذلك.

لا شك أن هناك أهداف أولى تحققت؛ لكننا نطمح إلى مواصلة الالتصاق بشعر المكان في غير ما تحيز، ولا تقوقع كما قالت إحدى التوصيات.

الشعر في عسير يمثل امتدادا لذاكرة ثرة من السياق الشعري العربي قديما وحديثا، وهو يمثل تجارب متنوعة، ومن حق هذا الشعر أن يدرس، مثل غيره من الشعر العربي في كل مكان.

جامعة الملك خالد

* عبدالله حامد


 




استقراء أدب المكان

ولم لا تحتاج عسير لمثل هذا الملتقى وغيره، هي أو أي مكان آخر في العالم؟ هذا هو السؤال في رأيي. فا?وراق البحثية استقرأت ما قرأته، وكشفت عن تجارب، لكن مصطلح (جديدة) غير محرر المفهوم هنا، فإن كنت تقصد جدة النوعية فأنت تحتاج إلى قراءة ما قدم من بحوث قراءة تفسيرية، وإن قصدت أصواتا جديدة فقطعا سيأتي دورها ضمن مشروع قراءة أدب المنطقة حسب ما أفهمه من تبني المشروع. ولم يعد في رأيي شيء يسمى منافسة ا?ماكن بعد انصهار العالم في شاشة أو أيقونة، وبعد سقوط ما كان يسمى (عواصم النور).

إبراهيم طالع - شاعر


 




عراقة

يشكل أدب منطقة عسير جزءا مهما من أدب المملكة، وهو جزء يضم عشرات قد تصل لمئات الدواوين الشعرية والكتابات السردية، وإن كان من سمة بارزة، فهو أنه يصطبغ بصبغة المكان الخاصة التي تستدعي الوقوف والتأمل، فتشبث إنسان عسير بالمكان مكمن سؤال، ناوشه مشروع الحوار العلمي الثاني الذي عقد في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الملك خالد. ولعلي ذكرت في تعليق لي على إحدى الجلسات أننا حين ننظر لخارطة الأدب في المملكة نجد الأدب في غربها يتشبث في مرحلة من مراحله بأدب مصر، وقس على ذلك أدب شرق البلاد ذوي الصبغة الخاصة بأدب الجوار، وهكذا بقية البيئات، في حين أن أدب عسير يتشبث بعراقة المكان ولغته وعمقه الأثري الخاص، ما كشفته عدد من الأوراق. لا شك أن قسم اللغة يقف وسط أدب حاضر ماثل في عدد كبير من دواوين الشعر والكتب السردية، ومهمته أن يقف عندها ويدير الحوار العلمي حولها ووضعها على المحك النقدي والعلمي من خلال دراسة بحثية علمية تعتمد على المناهج العلمية المختلفة في مناوشة النصوص وتحليلها. لا الثناء عليها وتوصيفها، وأحسب أن الأوراق الـ19 التي قدمت في الملتقى قد وصلت إلى تحقيق جزء من ذلك في انتظار مشاريع علمية أخرى.

جامعة الملك خالد

* عبدالرحمن المحسني