من المشين أن تحاول بعض التيارات والأفراد المنتمية إلى أفكار ما بعينها، تسخير آلتها الإعلامية المرتبكة في أدائها وأدواتها، إنتاج فيلم بهدف تشويه عموم الإعلام السعودي وكيل الاتهامات له وتخوينه، ومحاولة ضرب العلاقة بينه وبين قيادته ووطنه، وبث الشبهات والشائعات حوله، من خلال الاستدلال بإعلام عميل لدولة طالما عُرفت بمعاداتها العرب والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، واتخاذ المقارنة -المضحكة- بينهما منطلقا لهجومهم المشين ذاك، فالطريقة التي بني عليها الفيلم عاطفية النزعة، خلت من المفاهيم العلمية للعمل الإعلامي تماما، تقفز بعبثية من فكرة إلى أخرى، تعكس مدى رداءة وانفعال منفذي الفيلم العنصري المحرض على الحقد والكراهية، وهي منطلقات يتفق العالم على رفضها ونبذها.
لقد تجاهل من يقفون خلف فيلم "المال الحرام" هذا العمل المتهالك، كل الأدوار الوطنية المهمة التي يقوم بها الإعلام السعودي للدفاع عن وطنه ورفعته بمهنية، ومارسوا عبره تضليل المشاهدين بعرض إنفوجراف واحد ظهر لمدة 10 ثوان هزيلة المضمون وضعيفة المهنية، تدل على محدودية فهم معنى التقرير الميديوي والقوة البيانية للأرقام والعمل الإحصائي، وعلى موقف الإعلام السعودي من قضية ما سميت بمظاهرات حنين في المنطقة الشرقية في 11 مارس 2011، واتخذ منفذو الفيلم -الفضيحة- ما كُتب من رأي -يمثل كتّابه- في صحيفتين سعوديتين فقط، وصفهما الفيلم بالصحيفتين الكبيرتين، ووصف موقف الإعلام السعودي بـ(المخزي)!
وبمثل هذه السخافة والبدائية التي لم تستوف أبسط معايير العمل الإعلامي، أن تشكل دليلا للحكم على آلة وطنية هائلة كالإعلام السعودي.
إذ يفتقد الفيلم أبسط قواعد العمل الإعلامي المهني، بدءا من العنوان مرورا بفقراته وانتقالها من مشهد إلى آخر بلا ترابط، ناهيكم عن عقد المقارنات التلفيقية غير الموضوعية، واستجداء التعاطف مع تيار بعينه، وتصويره على أنه المنقذ الوحيد والنافذة الوحيدة للضوء والمصداقية والنجاة والحق، وحشو الفيلم بشخصيات دينية، لكنه لم يعرض صورة واحدة لسماحة مفتي عام المملكة!
وكرس الفيلم جزءا من الحديث والصور عن شخصية تكرر ظهورها كثيرا وصفها بالسد المنيع! كإحدى هفوات وضعف النص التعليقي في الفيلم، بينما وقعت المادة السردية في إنشائية سطحية لا تحمل كمية بيانات كافية لقبولها كمستند، ناهيك عن تناقض عنوانه مع مادته الرئيسية.
لكن الكارثة الحقيقية في الواقع تتمثل في كمية المفاهيم السلبية الخطيرة التي يحاول ناشروه تكريسها في ذهنية عامة الشارع، عن الإعلام السعودي من جهة، والتلبيس على الناس بمفهوم أحادية المخلص المتمثلة في شخصية نموذجهم.
فالإعلام السعودي والقائمون عليه عبر تاريخه، قدموا صورا مُشرفة في هذه البلاد العظيمة، لا ينبغي مصادرتها بهذه الطريقة المريضة المأزومة التي لا تمتلك شيئا من الحكمة والمنطقية، وهي دليل على أن وراء الأكمة ما وراءها، تبدو طلائع رأسها وروائحها العفنة، من ضعف ما جاء في الفيلم وعدم موضوعيته ومصداقيته.
وهنا نقف قليلا لنبحث عن الأهداف المختبئة خلف مثل هذا التحريض والتشويه، فالمضمون يعبر صراحة عن مبدأ ميكيافللي واضح، وينشر ثقافة "إذا لم تكن معي فأنت ضدي"، بين أبناء البلد الواحد والجسد الواحد، وهي ثقافة عنصرية متطرفة لا تليق بأن تكون منطلقا للحكم على أي شيء في العالم، وهذه أزمة ومشكلة الحركيين المنتمين للتيارات الانتهازية، لأنها إقصائية تعمل على صنع نسخ مكررة عنها، لتشكيل فصيل مؤدلج متشابه يحاكيها، يقبل ولا يستفهم، ينفذ ولا يتردد.
والواضح للمتأمل أن الإعلام السعودي هو الصخرة الكبيرة التي عجزوا عن اختراقها والسيطرة عليها، فقدراتهم المهنية على هذا الجانب ضعيفة إلى الحد الذي يجعلهم يهاجمون الإعلام والإعلاميين ويحرضون عليه بكل هذا القبح والانتهازية، متناسين أنهم جميعا والإعلام في المركب نفسه، وأن المختلف بينهم هو رؤية المشهد من زوايا مختلفة فقط لا أكثر.
ودفاعي عن الإعلام والإعلاميين -وهم ليسوا بحاجة إليه- ليس لأنني محسوب عليهم، بل لأنني أعيش في وسطه، وأعرف كثيرا من تفاصيله وتوجهاته المشرفة، ووعي كثير من المنتسبين إليه، ومحاولة تقييمه بهذه السخافة هي استغفال للمتلقي والشارع السعودي والعربي، ومحاولة يائسة للنيل من شُرفاء المهنة، واختطاف الإعلام، وهذا هو الخزي الحقيقي.