لم يعد سرا أن نظام بشار الأسد لا يريد تسوية في مفاوضات جنيف، لكن الأخطر هو الالتقاء الأميركي الروسي على تغطية الجريمة التي يرتكبها مع حليفه الإيراني، خصوصا في حلب.

وقبل الانسحاب الروسي الجزئي من سورية كانت السيطرة على حلب هدفا لنظام بشار الأسد ورعاته، ورغم قصف موسكو محيط المدينة، لم تتمكن قوات الأسد والإيرانيين من تحقيق تقدم يذكر، كما خسرت ميليشيات حزب الله، والحرس الإيراني العشرات من عناصرها، بينهم ضباط كبار دفنوا في إيران وسط أجواء احتفالية. وبعد الانسحاب الروسي وإعلان الهدنة وانطلاق جولة جنيف الثالثة، سجلت سلسلة من التطورات والمواقف، يأتي في مقدمتها إعلان النظام أن معركة حلب ستنطلق قريبا بالاتفاق مع الروس، كذلك إعلان إيران عن إرسال اللواء 65 إلى سورية، وهي المرة الأولى التي تقر فيها طهران بمشاركة قواتها في المعارك بعدما كانت تصر على اكتفائها بإيفاد خبراء ومستشارين، فضلا عن إصرار الأسد على إجراء انتخابات اعتبرها العالم مهزلة في اليوم المقرر لانطلاق مفاوضات جنيف. وأربكت هذه التطورات الموقف الروسي إلى حد ما، فسارعت وزارة الدفاع إلى نفي التنسيق بشأن خوض معركة في حلب، وظهر في موسكو من يتحدث عن طعن في الظهر "من دمشق إلى طهران.. إلى العاصمة الأرمينية يريفان".


 




هجوم مواكب

لم تكتف روسيا بدعم المعركة الإيرانية الأسدية على حلب، بل واكبتها بهجوم على المعارضة عندما طلبت من الأمم المتحدة ضم "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" إلى قائمة المنظمات الإرهابية. ويرتبط هذا الطلب الروسي مباشرة بمعركة حلب، لكنه يذهب أبعد من ذلك، فهو في حال القبول به، يعني إلغاء وفد المعارضة المنبثق من مؤتمر الرياض ويتحدى المجموعة العربية التي تدعمه، ويمهد الطريق أمام مفاوضات شكلية بين النظام ومعارضة موسكو وحميمية المطواعة.

ولم يكن كل ذلك ليحصل لولا الموقف الأميركي الذي تتكشف مخاطره يوما بعد يوم، ابتداء من الصمت الكامل على التدخلات الإيرانية، وصولا إلى القبول بتهدئة لا تشمل حلب.

وكان اتفاق التهدئة أنجزه العسكريون الروس والأميركان خلال اجتماعاتهم في جنيف بإطار "اللجنة الخاصة بوقف القتال". وأكد مصدر روسي في اللجنة أن الاتفاق لا يشمل حلب، لكن ممثل موسكو في المعارضة، قدري جميل زعم أنه يشمل هذه المدينة، في محاولة كما يبدو لتبييض الموقف الروسي.

لا يبدو إذن، أن اتفاق التهدئة يهدف فعلا إلى إنقاذ هدنة 27 فبراير، بقدر ما هو كسب للوقت لمواصلة معركة حلب. وهذا ما يعرفه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي يعاني بدوره من محاولة تهميش روسية فاضحة. ويتضح ذلك من تبرع الخارجية الروسية بتحديد موعد استئناف مفاوضات جنيف في 10 مايو، وهذا أمر يقرره الوسيط الدولي بعد مشاورات، ومن استخفاف موسكو بزيارة دي ميستورا خلال الأيام المقبلة إلى العاصمة الروسية لطلب الدعم، حيث سارع الناطق باسم بوتين إلى الإعلان أن رئيسه لن يلتقي المبعوث الأممي، بينما كان السفير الروسي السابق في دمشق يقلل من أهمية دوره وينفي وجود وثيقة أعدها دي ميستورا عن الانتقال السياسي في سورية.

الخلاصة أن معركة حلب لن تتوقف، طالما أن روسيا تقف إلى جانب الإيرانيين، وإذا تمكن هؤلاء من تدمير المدينة واحتلالها فسيكون الحديث عن مفاوضات وانتقال سياسي ضربا من الخيال الدموي.





 




سلسلة أحداث

رأى معلق روسي، يدعى فلاديسلاف إينوزيمتسيف، أن سلسلة أحداث "تحمل على الشك في صوابية قرارات القيادة الروسية"، مستعرضا هذه الأحداث على النحو الآتي:

1- إخفاق اجتماع وزراء النفط والطاقة في الدوحة بسبب ما أسماه رفض إيران "حليفة روسيا الرئيسية في المنطقة التكيف مع مطالب الشركاء"، وبدا في الخلاصة أن موسكو عاجزة عن إقناع أولئك الذين وضعت من أجلهم سمعتها الدولية على المحك وفي المقدمة منهم إيران.

2- نظمت سلطات الأسد انتخابات، معلنة اقتراب اقتحام حلب بدعم القوات الروسية، بينما يقوم الموقف الرسمي الروسي على التزام القرار 2254 الذي ينص على إجراء الانتخابات بعد الاتفاق على دستور جديد وتشكيل سلطة انتقالية، أي ليس قبل العام المقبل. لكن وحسب المحلل الروسي فإنه من الواضح أن حليف موسكو يخرج عن سيطرتها ويلعب بشروطه الخاصة، بينما تسعى روسيا إلى إثبات أهمية دورها بالنسبة إلى الغرب وليس من أجل إبقاء الأسد في السلطة.

3- اشتباكات ناجورنو كاراباخ أظهرت أن تركيا التي تدعم أذربيجان مستعدة لحصر روسيا وتوريطها في نزاع تتجنبه، وفي المقابل ظهرت إيران التي تقيم علاقات جيدة مع أرمينيا وكأنها العمق المنقذ لروسيا، لقدرتها على موازنة الدور التركي والإسهام في منع اندلاع نزاع واسع في القوقاز.

وبدت موسكو في هذه الأحداث والمحطات بعيدة عن الإمساك بزمام المبادرة، ورغم قول بعضهم إنها طعنت من حلفائها، فإن اندلاع معركة حلب أظهر أنها انقادت وراء هؤلاء الحلفاء مطمئنة إلى عنصرين أساسيين: الأول هو الإعلان التركي المفاجئ على لسان وزير الدفاع أن أنقرة لن تتدخل عسكريا في سورية، وجاء هذا الإعلان مواكبا لسلسلة مواقف أطلقها الرئيس الأميركي أوباما عن رفض التدخل البري في هذا البلد.

أما العنصر الثاني فيظهر في حصر أوباما المعركة بمحاربة داعش، الأمر الذي يعطل نسبيا الاستعداد الذي أبدته دول التحالف الإسلامي لخوض المعركة البرية ضد الأسد والإرهاب في الوقت نفسه، بهدف إنقاذ الشعب السوري من المجزرة الدائرة.


 


تطورات سورية

- الأسد يواصل مجازره

- مدينة حلب تحت النار

- صمت أوباما يثير الشكوك

- إيران تستغل الهدنة

- موسكو تنفذ أطماعها

- تجاهل دولي للأزمة




هجمات جوية

قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنه نفذت طائرات النظام أمس 20 غارة جوية على الأقل في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في مدينة حلب بشمال سورية.

في سياق متصل، أوضحت مصادر أمنية أن طيران النظام شن أكثر من 15 غارة منذ صباح أمس على الأحياء الشرقية لحلب بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية.

ويأتي ذلك بعد يوم دام في المدينة خلفته عشرات الغارات الروسية والسورية وزادت مأساة السكان المتفاقمة باستهداف مشاف ومرافق خدمية.

وأوضح المرصد أن قصفا نفذته قوات الأسد في مناطق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة بالمدينة منذ 22 أبريل المنصرم أسفر عن مقتل 140 شخصا بينهم 19 طفلا.