شكل الانسحاب الروسي - المفاجئ - من سورية عددا من علامات الاستفهام والحيرة بعد تدخل عسكري - مفاجئ على شاكلة زواج عرفي انتهى سريعا قبل حتى أن يكتمل - الجنين - الذي صدرته أوهام البعض بوحم كاذب تبدت حقيقته الأسبوع الماضي.
تحدث الكثير عن ذلك الانسحاب وأسهبوا في الحديث عنه، لكن الخلاصة لكل ما جرى هو أن العد التنازلي لرحيل مسؤولي النظام السوري بدأ فعليا للإسراع بالعملية الانتقالية التي ظهرت ملامحها مع ذلك الانسحاب.
لا شك أن روسيا بتدخلها فتحت نافذة للأمل لرأس النظام، وأعني بشار الأسد، وعلى النقيض من ذلك فإن تبدل الموقف الروسي حول أحلام الأسد إلى كوابيس مفزعة سيدرك مغزاها خلال الفترة القادمة، إذا ما أصر على المضي قدما بسفك المزيد من الدماء السورية التي تطالب برحيله.
العالم ببواطن الأمور يدرك جيدا أن هناك دورا سعوديا كبيرا في قيادة الأمور بالشرق الأوسط لما فيه مصلحة الأمة العربية، تجسد في العديد من المشاهد، على رأسها التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي تترأسه المملكة.
استوقفني كثيرا حديث سابق لبوتين عقب إعلان التحالف الإسلامي بيومين أكد فيه على الدور السعودي الكبير في المنطقة، وعلى أن ذلك الحلف لا يشكل تهديدا لأي دولة، بل إنه يستهدف بؤرة الإرهاب وأذرعها الخفية، مشيدا بما حققته المملكة من خطوات في كافة المجالات وخص الدور العسكري اللافت للسعودية، حيث كشف عن صفقات عسكرية كبيرة بين الجانبين تهدف إلى تعزيز القوة العسكرية السعودية ورفد الاقتصاد الروسي.
وما حدث من انسحاب روسي يؤكد مرة أخرى على الدور الدبلوماسي الفاعل بتطابق المواقف الروسية مع توجهات المملكة لشرق أوسط جديد لا مكان فيه للوصاية - الفارسية - على أي قطر عربي في إطاره الجغرافي.
كما أن ما حدث يعطي دلالات واضحة على أن ما مضى ليس كما هو آت، وأن المملكة قادرة على إحداث التوازن في الشرق الأوسط، عبر انفتاحها الكبير في العلاقات مع كافة القوى الدولية والإقليمية ذات التأثير في الشرق أو الغرب.
الرسالة لا بد أن يلتقطها مسعرو الحروب في الشرق الأوسط بأن ما مضى ليس كما هو آت، وبأن المملكة ستعمل على استئصال جذور الشر المترامية الأطراف في المنطقة العربية، وعلى وجه التحديد الجماعات التي تسيرها إيران في العديد من الأقطار العربية.
ختاما، فإن التحول الذي انتهجته المملكة دبلوماسيا وعسكريا في مواقفها ونهجها شكل الكثير من التخوف لدى العديد من المتابعين في الداخل والخارج، بيد أن ما نشاهده يوما بعد يوم يؤكد نجاعة النهج القيادي والمحوري في إعادة تشكيل خارطة القوى في المنطقة.