من الإشكاليات الكبيرة في الإعلام المحلي فقدان الكثير من المؤسسات للصحفيين المتخصصين، وقد كتبت حول هذا الموضوع كثيرا، إلا أن من أهم العوامل التي ساعدت في ذلك هو غياب المؤسسات المهنية والتجارية والصناعية والخدمية المتخصصة عن القيام بدورها في تثقيف المجتمع، والإعلام من ضمنه.

يبقى الإعلام بطبيعته ناقلا لما يحدث في المجتمع وناقدا له وفق فهمه لتفاصيل المجالات التي يتحدث عنها، فتجد النقد السياسي يعتمد على آراء كتاب أو صحفيين تخصصوا في ذلك، بحيث أكسبتهم التجربة والانخراط في البحث شيئا من المعرفة التي أهلتهم إلى حد ما كي يصبحوا أهلا للحديث والنقد.

إلا أن المجالات الحياتية التي تمس المواطن تبقى تفتقر إلى حد كبير للصحفيين الذين يمكنهم أن يسلطوا الضوء على تفاصيلها بحرفية، فهناك على سبيل المثال قصور في الصحفيين التقنيين، وهو مجال يمس اليوم كل مواطن ومواطنة على اعتبار كون وسائل التقنية المختلفة تحيطهم من كل جانب، وأصبح تسيير وإنجاز متطلباتهم الحياتية اليومية يعتمد بشكل كبير عليها، وبصرف النظر عن المعرفة العامة للعروض والخدمات التي تقدمها الشركات المتعاملة في التقنية إلا أن الجوانب الفنية التي تتحكم وتدعم سير تطور هذا المجال مازالت خافية على الكثيرين، مما يخلق نوعا من السخط المبني على عدم الفهم، وهو الغالب على ردات فعل الناس تجاه أي قصور قد يظهر أو تغير قد ينشأ.

الدور الذي يجب أن تلعبه المؤسسات الخاصة هو أكبر من عملية الترويج ودعم أجنداتها التجارية والمهنية، فهم مطالبون في الأساس في المساهمة مع المؤسسات الحكومية المختلفة بالنهوض بالفهم الاجتماعي لتلك المجالات الحيوية، وذلك من خلال تأسيس مؤسسات أو برامج متخصصة تعمل على النهوض بالعمل الإعلامي المتخصص تماما كما فعلت البنوك في الماضي، والتي قامت من خلال لجان متخصصة بالدفع نحو تثبيت المفاهيم والأنظمة وطبيعة العمل بحيث أصبح لدينا اليوم صحفيون متخصصون في المجالات المصرفية والبنكية المختلفة، مما أسهم في تقديم المعلومة المتخصصة البعيدة عن ردات الفعل المبنية على الإشاعة والتحليل الشخصي الساذج أحيانا والموجه أحيانا أخرى.

الدور هنا ليس لوزارة الإعلام كما قد يطالب البعض، بل هو على المؤسسات الحكومية والخاصة المشتغلة في هذا المجال، فالصحفي المتخصص في مجال التعليم والمتخصص في مجال الصحة والمتخصص في مجال الشؤون الاجتماعية تتركز مسؤوليتهم حول تخصصاتهم، فهم المستفيدون أو المتضررون من أي سطحية قد توصف بها الأخبار والتقارير والاستفهامات التي تصدرها وتبني عليها وسائل الإعلام، وبطبيعة الحال يبقى دور الإعلام ذاته كبيرا في العمل على تأهيل صحفييه بالشكل المناسب بحيث نخرج من خانة وصف (كلام جرائد) إلى خانة الإعلام المؤثر والمحرك الإيجابي للمجتمع.