في الوقت الذي استؤنفت فيه محادثات السلام السورية في جنيف هذا الأسبوع، أفادت وكالة أنباء "تاس" الروسية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن عن انسحاب جزئي لـ"القسم الرئيسي" من القوات المسلحة الروسية اعتباراً من 15 مارس الحالي. وحيث أشار إلى أن وزارة الدفاع قد حققت أهدافها في سورية "على وجه العموم"، ربط بوتين الانسحاب الروسي ارتباطاً صريحاً بمحادثات جنيف "آمل أن قرار اليوم سيكون إشارة جيدة لجميع الأطراف المتنازعة. آمل أن ذلك سيزيد بشكل كبير من ثقة جميع المشاركين في عملية السلام". وأضاف أيضاً أن وزارة الخارجية الروسية سوف تكثِّف مشاركتها في هذه العملية.

من غير الواضح بالضبط أي من القوات ستنسحب من سورية، لاسيما أن بوتين قد حدد بأن منشأة روسيا البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية "حميميم" ستستمران في العمل كالمعتاد. وكانت القاعدة الجوية قد أسست بعد أن بدأت الحملة العسكرية الروسية في سبتمبر الماضي، لذا فإنها ستتطلب حتماً حفاظ موسكو على المزيد من القوات في سورية أكثر مما كان لديها قبل التدخل، حتى لو كانت جادة في تعهدها بسحب بعض الوحدات. أما بالنسبة للفكرة بأن موسكو قد حققت أهدافها في سورية، فقد كان بوتين قد صرح في وقت سابق بأن الهدف من التدخل كان هزيمة تنظيم "داعش". ولكن من الواضح أن التنظيم لم يُهزم، كما أن بيانات موسكو المتفاوتة حول التهديد الذي يشكله التنظيم لا توفر قدراً كافياً من الوضوح.

في العام الماضي، برر الكرملين تدخل بلاده الجزئي بالادعاءات بأن 5,000-7,000 مقاتلاً من روسيا قد انضموا إلى تنظيم "داعش" - وقد اختلفت جميع تلك الادعاءات نفسها بصورة جذرية عن تقارير سابقة استشهدت بأرقام أقل من ذلك بكثير. وإلى جانب الأرقام الغامضة، زاد قرار موسكو بنشر قواتها في سورية من التهديد الذي يُشكله تنظيم داعش على روسيا بدلاً من أن يقلِّصه، وسنعرف أسباب ذلك مع مرور الزمن.

وما هو أبلغ من ذلك، كانت الغالبية العظمى من الغارات الجوية الروسية في سورية قد شُنت ضد الثوار الذين يقاتلون نظام بشار الأسد، وليست ضد تنظيم "داعش". فإنقاذ الأسد وتأمين مصالح روسيا - كما يعرّفهما بوتين - كانا الهدفين الحقيقيين في سورية، وفي هذا الشأن بإمكان الرئيس الروسي أن يدّعي النجاح بالتأكيد. وعلى نطاق أوسع، يبدو أن بوتين يضع الأساس لتصوير نفسه بأنه "زعيم عالمي كبير" - أي صانع السلام الذي نفذ بنجاح حملة محدودة بـ"حد أدنى من الضحايا"، ثم انسحب من أجل قيادة جهود السلام الدولية. وبقيامه بذلك، سيسعى بلا شك إلى الضغط على كل من الولايات المتحدة والمعارضة السورية لكي يتمسكا بعملية جنيف - والأهم من ذلك، لتقديم تنازلات من شأنها أن تفيد بوتين قبل أي شيء آخر.