تقول بعض المصادر إن الصحفي اليهودي جيفري جولدبرج الذي أجرى اللقاء الأخير مع أوباما كان ضيفاً دائما في البيت الأبيض خلال الأشهر الستة الماضية، والصحفي معروف بانتمائه إلى اللوبي الصهيوني (إيباك) في أميركا، لذا لا تستجلب الدهشة الآراء التي خصه بها أوباما والتي حاول فيها التودد إلى اللوبي اليهودي قبيل انتهاء ولايته، خاصة أن نتانياهو رفض طلب البيت الأبيض بعقد لقاء مع أوباما.

لقد شعر أوباما بأهمية هذا اللقاء وأهمية التطاول على السعودية والإسلام لتحسين صورته قبل مغادرة البيت الأبيض، فأوباما يعرف أهمية هذا جيداً، فاللوبي الصهيوني يستطيع حجبه إعلامياً وتهميش دوره في المجتمع الأميركي بعد انتهاء ولايته وهو لا يستطيع خسارة مصادر المال التي سيعيش عليها فيما بعد.

(أحلام من أبي) كتاب أوباما الأول، الذي قرأته بعد مشاهدته في لقاء مع أوبرا وينفري، واستوقفني كثيرا، لكن مجرد قراءة الكتاب كانت كافية جداً لي لأوقن أن هذا الرجل الخطيب المفوه لا يستحق أن أحترمه على المستوى الشخصي على الأقل إذا كنت مثلي ربتك امرأة وأنفقت عليك امرأة وحرصت على تعليمك امرأة -هي أمك- فيصدمك أن شخصاً مر بتجربتك بطريقة ما يتجاهل هذه المرأة، ويكتب عن رجل رحل وتركه وهو ابن عامين، وانطلق في عالم التفوق دون أن يكون هذا الطفل جزءاً من طموحاته أو اهتماماته، لا دينه ولا لغته ولا هويته.

الطفل الذي عانى الكثير كبر وكتب كتاباً يمجد رجلاً لم يهتم به مطلقاً، ليقول في منتصف الكتاب عن المرأة العظيمة التي كانت تستيقظ فجراً لتذاكر له المنهج الأميركي قبل ذهابه إلى المدرسة الإندونيسية إنها أصيبت بالسرطان، وإنه يتمنى لو أن كتابه الأول عنها.

ربما كان أوباما كأي رجل يبحث عن الاعتزاز بهويته المخبأة في تاريخ رجل آخر، لكنه كان من الأنانية ليتناسى المرأة العظيمة التي صنعت في حياته الفرق.

هذا الموقف الذي بقي في ذاكرتي منذ 15 عاما عن رأيي الشخصي في أوباما عاد ليتأكد وأنا أقرأ لقاءه الأخير في مجلة إتلانتك، بعد كل هذه السنوات لم يتغير هذا الرجل ينتهز الفرص حتى لو حملت نجاحاته الأذى للآخرين.

في لقائه وجه نقداً للسعودية لكن ذلك ليس قضية على الأقل بالنسبة للسعودية التي ظهر هو في بداية ولايته الثانية وهو يتودد لملكها عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، بل ربما هو أفاد المملكة من حيث لا يدري، فغضب أمثاله إنما هو دليل على استقلال القرار السعودي وإسلاميته وعروبيته على كل حال.

ما استوقفني حقاً هو اعتباره الحجاب سلوكاً متطرفاً وهو يقارن بين رؤوس النساء الإندونيسيات عندما كان طفلاً في الستينيات ورؤوسهن الآن!

في الواقع الناس في الستينيات وبداية السبعينيات في العالم كله كانوا يميلون إلى عدم التدين، ثم بعد ذلك وفي فترة الثمانينيات وكسلوك اجتماعي طبيعي بدأ الناس بالتدين بغض النظر عن الدين الذي ينتمون إليه، ولأن التدين له أشكاله وضعت الفتيات المسلمات الحجاب على رؤوسهن في معظم أنحاء العالم الإسلامي وليس في إندونيسيا فقط، ولوكان للسعودية تأثير على ذلك فماذا عن المحجبات في الغرب الذي تمنح علمانيته وليبراليته العظيمة للفتاة المسلمة حق الحجاب.

هذا الحجاب لم يمنعهن مطلقاً أن يكن فاعلات في مجتمعاتهن، فمنهن الطبيبات والعالمات والصحفيات، بل أميركا نفسها تقدم هذا العام المحجبة الأولى ابتهاج محمد بطلة رياضية تشارك في الأولمبياد.

أوباما قضى 8 سنوات من حكمه لأميركا وهو يتجنب المسلمين الأمريكيين ويتجنب علاقته بهم وتهمة إسلامه، متناسياً أنهم جزء من الشعب الأميركي ويستحقون التقدير والتكريم لكنه لم يفعل.

في الجهة الأخرى يقف رجل آخر لا يحتاج لتلميع نفسه أو ذاته، بل ينطلق من يقين بمبادئ بلاده العلمانية، وهو ديفيد كاميرون، الذي أعلن في شهر يناير عن مبلغ وقدره 20 مليون باوند تصرف لتعليم النساء المسلمات المهاجرات اللغة الإنجليزية، وجلس مع فتيات محجبات مسلمات ليشجع المجتمع البريطاني على تقبلهن، ولقد فاجأت هؤلاء الفتيات الإعلام بثقافتهن ودرجاتهن العلمية مما جعل الناس في بريطانيا يتحدثون بدهشة لعدة أسابيع عن هؤلاء المسلمات الصغيرات اللواتي كن يتعرضن لبعض التصرفات العنصرية ويتجنب الناس الجلوس بجوارهن في المواصلات العامة.

لقد كان ديفيد كاميرون قائداً حقيقياً يهتم بكل أفراد مجتمعه، وليس رجلاً متناقضاً متصيدا للفرص. سيبقى كاميرون في ذاكرة شعبه دائماً بينما سينسى الناس قريباً أوباما وتناقضاته.