كنت مستمتعاً ذات مساء بقراءة تعليق قصير في صحيفة الرياض لعبدالله بن مرعي الشهري مشرف اللغة العربية بالنماص، يوضح فيه الجدل القديم حول (الواو) في (كل عام وأنتم بخير) وصواب استخدامها، وبين أن هناك نحويين يرون ضرورة حذفها ليستقيم المعنى فتصبح (كل عام أنتم بخير) مع أن هناك أوجهاً تجيز استخدام الواو. مستنداً في تصويبها إلى رأي مجمع اللغة العربية بالقاهرة، حيث يقول المجمع: يُخطّىءُ بعض النقاد ما يشيع من قول الناس في أعيادهم "كل عام وأنتم بخير". بناء على أنه لا موضع للواو هنا، وقد درست لجنة الألفاظ والأساليب بالمجمع هذا التعبير. وانتهت إلى أنه جائز على أن يكون "كل عام" مبتدأ حذف خبره، والتقدير: كل عام مقبل وأنتم بخير. والواو حالية. والجملة بعدها حال. وأوضح الشهري أن في هذه المسألة أوجهاً كثيرة كلها جائزة. ذكر منها الوجوه المتعلقة برفع (كل) لأن هناك أوجهاً أخرى فيما لو كانت منصوبة. وهذه الأوجه المتعلقة بالرفع تثبت صحة هذه الواو، وهي: الوجه الأول ما ذكره مجمع اللغة العربية. والوجه الثاني فيقبل أو يعود أو يجيء كل عام وأنتم بخير. فكل فاعل وعام مضاف إليه. والواو حالية وأنتم مبتدأ. وبخير متعلق بخبر محذوف والجملة حالية. والوجه الثالث: كل مبتدأ والواو زائدة للتوكيد. وجملة أنتم بخير في محل رفع خبر لكل. أما الوجه الرابع فهناك من يقول: إن "كل عام مقبل" جملة. و"أنتم بخير" جملة معطوفة عليها من عطف الجملة على الجملة بالواو، فتكون الواو عاطفة. وهذا أيضاً تخريج قوي. قرأت ما قاله الشهري مما يظهر عبقرية اللغة ككيان حي ينمو ويتفاعل ليؤدي دوره الحضاري. ويحفظ للأمة مكونها وهويتها وشخصيتها الاعتبارية، ولكن اليونسكو لم تتركني استمتع بذلك الإحساس المتعاظم. فلم تلتفت كما يبدو في تقريرها الفاجع إلى أن العربية ( تمثل مرجعية لغوية وقيمية حين ظلت وثيقة الصلة بالقرآن الكريم، والسنة النبوية، ومجمل التراث. والنشاط اللغوي الاجتماعي) تقول المنظمة: إن هناك 300 لغة انقرضت في القرن العشرين وإن اللغة العربية ستنقرض في القرن الواحد والعشرين. وكأن المنظمة أخذت بتقرير مركز دراسات الوحدة العربية حول الأخطار المحدقة بالأمن اللغوي للأمة العربية. والانعكاسات الخطيرة لتدهور الفصحى. وانتشار الأمية اللغوية وإشكالات التلقي. وتفشي اللهجات. وسطوة العامية. وتدفق العمالة الأجنبية. وندرة الابتكارات في الوطن العربي. وغيرها من العوامل التي قادت اليونسكو لتقديم ذلك التقرير الصادم والعاصف.