نشرت صحيفة"كريستيان ساينس مونيتور" الأميركية مقالا بعنوان لافت: "انسوا منظمة النفط العالمية "الأوبك"، ها هم تجار المياه العذبة، سيصبح "الذهب الأزرق" (المياه) في القرن الحادي والعشرين ما كان عليه "الذهب الأسود" (النفط) في القرن الماضي، وبعد حوالي عقد من الزمن سيصبح الماء أهم من النفط، فتجار المياه شرعوا ببناء "ناقلات المياه" على غرار "ناقلات النفط".

أقول قولي هذا والمجتمع الدولي سيحتفل 22 مارس باليوم العالمي للمياه، كونه حقا من الحقوق الأساسية للإنسان التي لا يمكن الاستغناء عنها أو العيش دونها.

وفي المقابل، يُعتبر انعدام الأمن المائي انتهاكا قويا لأهم مبادئ العدالة الاجتماعية والمواطنة، إذ من المفترض أن تكفل المواطنة العادلة لكل شخص الحق في قدر متكافئ من الحقوق كافة وممارستها بفاعلية، لذا يُعد انعدام الأمن المائي تهديدا لها لأنه يقلل من تكافؤ الفرص الذي هو شرط أساس لتحقيق العدالة الاجتماعية.

نحن في المملكة نعتبر من أكثر الدول شحا في الماء، إذ إن استهلاك المملكة للمياه في العام الواحد يعادل 20 بليون متر مكعب لكل الاستخدامات، وهذه الكمية تعادل 40 % من جريان نهر النيل في مصر، كما تعادل إنتاج التحلية 16 عاما، ومعظمها مياه جوفية غير متجددة، 90 % استهلاك زراعي، وتكلفة الـ10 % للمنازل عالية جدا، وتتطلب جهدا جهيدا لتأمينها، بعكس مياه الزراعة التي تتطلب حفر بئر فقط، ففي الـ15 عاما الماضية في مدينة واحدة من مدن المملكة، استهلكنا في الزراعة ما يعادل استهلاك المنازل 1000 عام.

القرارات الأخيرة لوقف زراعة الأعلاف رسمت منعطفا لخطوة صحيحة يجب أن تتبعها خطوات لمصلحة المياه الجوفية، فاستهلاك المياه في زراعة الأعلاف في سنة واحدة يعادل استهلاك 70 عاما للمنازل.

المرحلة القادمة محورها الرئيس المحافظة على الماء، وإذا كان القرن الماضي شعاره: "إن من يملك النفط يستطيع السيطرة على العالم"، فقد صار شعاره اليوم: إن من يضع يده على منابع المياه ويتحكم في مسارها وأسعارها ونقلها وتوزيعها ورسومها، يستطيع أن يهيمن على العالم.

من الأهمية بمكان، التوقف عن التوسع في زراعة النخيل والزيتون والبطيخ والبطاطس والشمام، لأنها تستنزف المياه الجوفية، وتشكل خطرا على حق المواطن في الماء، خاصة أن أحد الخبراء صرح بأنه أمامنا 13 عاما وينفد مخزون المياه الجوفية غير المتجددة.

وزارة الزراعة معنية بإيجاد بدائل للمزارعين، فهي ليست صعبة ومستحيلة فيمكنهم الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة مثل الصين في كيفية الزراعة الاقتصادية وغير المهدرة للماء، ووزارة المياه معنية هي الأخرى بفرض رسوم تعرفة حتى تحقق العدالة، فكما فرضت تسعيرة للمواطن فعليها أن تفرض رسوم "فواتير" لشركات الأبقار والألبان وبقية القطاع الزراعي، كونها مستهلكة للمياه الجوفية بدل هذا الاستنزاف المجاني.

أخيرا أقول: إن حقوق الإنسان وحدة واحدة ومتكاملة، ولا يمكن فصل الحق في الصحة، والحق في النظافة، والحق في بيئة نظيفة، والحق في الحياة، عن الحق في الحصول على الماء الذي يجب أن يكفل للجميع بشكل كافٍ وآمن ومقبول وبسعر مناسب.