رغم ما مثلته حادثة الاعتداء الإيراني الغاشم على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، من تجاوز صريح للمعاهدات والأعراف والاتفاقات المنظمة للعمل الدبلوماسي، ورغم اللحظات الصعبة التي عاشتها عائلات الدبلوماسيين السعوديين وأبناؤهم، والخوف الذي اعتراهم على سلامتهم، إلا أن تلك الحادثة ربما تكون قد مهدت لواقع عربي وإسلامي جديدين، تَمثل في حالة التضامن الكاملة مع الرياض.

بمجرد وقوع هذه التجاوزات، سارعت الدول العربية والإسلامية إلى إدانتها، والتنديد بها إلا من أرهن قراره وسيادته لدولة المرشد الذي لم يجد بدا من إدانة ما حدث، والاعتراف بالخطأ، والتعهد بمحاسبة المجرمين الذين اقتحموا السفارة، وهو تعهد ثبت فيما بعد –كالعادة- أنه لم يتجاوز حنجرته، إذ أفرجت طهران الأسبوع الماضي عن كل الذين قاموا بالفعل القبيح.

لعلها من المرات القلائل التي يحدث فيها مثل ذلك الإجماع الكبير، الذي فاجأ إيران، وجعلها غير قادرة على قيادة جهد دبلوماسي مواز، على الأقل لتبرير ما حدث.

وتجلت قوة الموقف العربي في اجتماع وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية بالقاهرة، إذ جددت الدول العربية موقفها الرافض لاعتداءات طهران، وأبدت استعدادها للقيام برد دبلوماسي أكثر قوة. وتكرر المشهد نفسه على نطاق أوسع في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في جدة. وأعلنت دول العالم الإسلامي تأكيد وقوفها مع الشقيقة الكبرى، دعما وتأييدا ومساندة.

وقبل أيام قلائل، تنادى وزراء الداخلية العرب خلال اجتماعهم في تونس بتسمية الأمور بمسمياتها، وقرروا في شبه إجماع اعتبار حزب الله منظمة إرهابية.

ورغم استمرار لبنان والعراق في موقفيهما الخارجين عن إجماع الأمة، إلا أنهما لم يجدا المبررات الكافية للاعتراض على القرار، واكتفيا بالتحفظ.

وبالأمس القريب، كانت الضربة الموجعة لـ"حزب الله" الموالي لدولة المرشد، عندما قررت جامعة الدول العربية اعتبار الحزب وكل مؤسساته منظمة إرهابية، وهي الضربة التي أفقدت الحزب صوابه، وقبلها بيان وزراء الداخلية العرب بالمؤدى نفسه، كل تلك المواقف تشير إلى أن المنطقة تشهد عهدا جديدا تقوده الرياض كرأس حربة لدول الخليج العربي، والتي باتت اللاعب الرئيس إقليميا، وباتت المملكة في موقف الريادة كما كانت دوما، قائدة للدول العربية نحو عهد الوحدة والتضامن، بعد أن تأكدت أنها جميعها -دون استثناء- أهدافا للمشروع الإيراني التوسعي، بدءا بالعراق ومرورا بسورية ثم لبنان وحاليا اليمن، ولا ننسى مشروعها في البحرين الذي أفشلته الرياض وحلفاؤها في مجلس التعاون، فضلا عن الأصابع الإيرانية التي حاولت التمدد لدول المغرب العربي دون طائل.

ومن حسن طالع الجامعة العربية والأمين العام الجديد الدكتور أحمد أبوالغيط، أن المرحلة الحالية تتضمن استشراف عهد جديد، ويأتي تسلمه راية العمل في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به الأمة، وأمام جبل الحديات تبرز الفرص العظيمة المتاحة في استغلال التوافق العربي الكبير، وأن تتخذه الإدارة الجديدة للجامعة أساسا لدعم العمل الجماعي، ومنهجا واضحا لتأصيل هذه الوحدة.

لذلك، تتعاظم الآمال في تطوير آلية العمل، واستحداث أدوات أكثر مسايرة للعصر، فالأمة العربية أمام تحديات تاريخية، وعليها السعي إلى تغيير الصورة النمطية السائدة لدى جميع العرب، بأنها مكان للتشتت ومنبر للخلاف، وأن تثبت أنها على مستوى التطلعات وعلى قدر التحدي. فتغيير المفاهيم السالبة لدى الجمهور أول مداخل العمل الصحيح الذي يقود إلى تحقيق الأهداف.

أمتنا تملك مقومات النهضة، وأدوات القوة، فإمكاناتها المادية ليست محل شك، وقدراتها الاقتصادية تستطيع تغيير الواقع. كما أن القدرات العسكرية التي أظهرها التحالف العربي في اليمن، وأكدتها مناورات رعد الشمال، وما تمتلكه قوات التحالف الإسلامي من إمكانات وقوات هائلة، كل ذلك وجَّه رسالة شديدة الوضوح بأنها على قدر التحدي الذي نعيشه.

ندرك أن هناك قضايا تحتمل النقاش وتباين الرؤى، فالاختلاف طبيعي، وتعدد الآراء ثراء، وفي مثل هذه القضايا لا بأس من الحوار والنقاش، إلا أن هناك قضايا تمس الأمن القومي العربي بأجمعه، لا ينبغي التعامل معها من منطلق تحقيق الكسب السياسي الآني، أو تقديم المصالح الطائفية، بل بتذويب المصالح الخاصة، والاهتمام بالمصير المشترك وتطوير السياسات والاستراتيجيات الخاصة بتشكيل جديد للفكر الجمعي العربي، ومحاربة الأمية والفقر والإرهاب، ذلك الثالوث الذي ما برح يفت في عضد هذه الأمة.