حثت وسائل الإعلام الأميركية إدارة الرئيس باراك أوباما على تعزيز علاقاتها مع المملكة، وذلك على ضوء زيارة أوباما الأخيرة للرياض، ومشاركته قي قمة دول مجلس التعاون الخليجي، وقالت مجلة فورين بوليسي إن مفتاح استقرار الشرق الأوسط بيد الرياض، وإن طهران تواصل نثر بذور الإرهاب في المنطقة، فيما أشارت صحيفة «واشنطن تايمز» إلى أهمية الشراكة مع السعودية بالنسبة للمصالح الأميركية.

بدورها، دعت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى ضرورة توسيع التواصل الأميركي مع المملكة كونها قوة مهمة في الشرق الأوسط.




قال الباحثان برنارد هيكل، وستيفن هرتوج في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، إنه رغم بعض التوترات التي تطفو حالياً على السطح بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، فإن قناعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تؤيد التقارب مع أميركا، وأن هذه فرصة سيكون من المؤسف أن لا تستفيد واشنطن منها بشكل إيجابي بدلاً من استغلالها بشكل سلبي.

وحسب الباحثان، فإن السعودية منزعجة من سياسة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط لأنها ترى أنه غيَّر القواعد التي اتبعتها الولايات المتحدة في تعاملها مع المملكة على مدى العقود الماضية، وأنه تخلى عن مصالح دول الخليج العربي لمصلحة إيران، ولذلك قرروا العمل بمفردهم بما يخدم مصالحهم الإقليمية والاقتصادية وتحركوا على جبهات عديدة بشكل مباشر.

وأشار الباحثان إلى أن العلاقة بين البلدين تمر بمصاعب كثيرة منذ هجمات 11 سبتمبر، وقد تزامنت زيارة الرئيس أوباما الأخيرة للمملكة مع الجدل الدائر بسبب مشروع قانون تم تقديمه إلى الكونجرس يسمح لعائلات ضحايا الهجمات برفع دعوى قضائية ضد السعودية تتعلق بالمسؤولية عن هذه الهجمات. لكن البيت الأبيض قال إن الرئيس سيرفض تطبيق هذا القانون حتى لو مرره الكونجرس.


 





إضعاف التحالف القديم

أشار الباحثان إلى أن السعوديين لديهم الحق في إحساسهم بأن أوباما أسهم في إضعاف التحالف القديم بين البلدين، حيث فوجئ السعوديون بسحب القوات الأميركية من العراق في 2010 تاركا حكومة نوري المالكي، المدعومة من إيران، في الحكم، الأمر الذي اعتبره السعوديون تخلياً عن العراقيين السنَّة الذين كانوا يعانون ممارسات حكومة المالكي الطائفية، وهذا أسهم بشكل غير مباشر في بروز تنظيم داعش في العراق فيما بعد.

وأضاف الباحثان أن الأمر تفاقم مع توصل القوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، إلى اتفاق نووي مع إيران في 2015، فرغم أن الاتفاق نص على تجميد البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، إلا أنه لم يضع أي قيود على محاولات إيران فرض نفوذها وسيطرتها الإقليمية في دول كثيرة، من لبنان إلى سورية والعراق واليمن، سواء بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء، لافتين إلى أن هذا الموقف الأميركي المتهاون من إيران دفع الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى التدخل بشكل مباشر للحفاظ على مصالح المملكة.


 


مرحلة ما بعد النفط

وعلى الصعيد الداخلي، ووفقا للباحثين، فإن المملكة بدأت أيضاً بتطبيق إجراءات إصلاحية تهدف لتنويع الاقتصاد السعودي وتهيئته لمرحلة ما بعد النفط.

وأكد الباحثان أنه رغم أن البعض في الولايات المتحدة قد يجد التعامل مع السعودية صعباً بسبب مواقفها التي يعتبرونها متشددة في بعض القضايا، إلا أن عدم التعاون مع المملكة ستكون له نتائج أسوأ بالتأكيد، فكل طرف يحتاج الطرف الآخر لأسباب عديدة وليس لأي منهما بديل واقعي عن الآخر.


 


3 محاور تختزل السياسة السعودية الحديثة

كانت زيارة الرئيس باراك أوباما الأخيرة إلى السعودية، هي الرابعة بعد وصوله إلى البيت الأبيض، مما يجعله أكثر رؤساء أميركا زيارة إلى المملكة، كما أنه لا توجد دولة أخرى في الشرق الأوسط استضافت أوباما خلال رئاسته، أكثر من السعودية. ويرى محللون أن تلك الزيارات تؤكد استمرار أهمية المملكة بصفتها شريكا إقليميا للولايات المتحدة رغم التوتر الذي ساد علاقات البلدين أخيرا.

وقال الباحث بريان كاتوليس، في مقال نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، إنه أجرى هو وزملاؤه في مركز التطور الأميركي للأبحاث، لقاءات مع مجموعة من المسؤولين السعوديين في ديسمبر الماضي، في إطار دراسة يجريها المركز عن المملكة، مؤكدا أنه توصل إلى ثلاثة دروس على الإدارة الأميركية أن تعيها جيدا في تعاملها مع السعودية، وهي كالآتي:


1- السياسة الخارجية الجديدة والحاسمة للسعودية باقيةوهذه المقاربة التي تشمل الحملة العسكرية التي تقوم بها المملكة في اليمن وإرسال مساعدات اقتصادية مهمة إلى مصر ودول أخرى، مدفوعة بعاملين: إدراك السعودية خطر ممارسات إيران في المنطقة والقلق من انهيار بعض الأنظمة في الشرق الأوسط. ولأنها مقتنعة بأن هذه القضايا الإقليمية هي تهديدات مستمرة فإن الرياض لن تغير على الأرجح نهجها الحالي، رغم الضغوط التي قد تسببها تكاليف أنشطة المملكة في ظل انخفاض أسعار النفط.


2- السعودية تستعد لإجراء بعض الإصلاحات الاجتماعية المهمة التي قد تعيد صياغة عقدها الاجتماعي القديم، لكن تطبيق هذه الإصلاحات قد يواجه بعض التحديات. ويقول بريان كاتوليس إن الرياض لا تزال في المراحل المبكرة لتغيير يتم الإعداد له بعناية من قبل القيادة، فمنذ وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الحكم في 2015، تم وضع مخططات لإجراء إصلاحات على السياسة الاقتصادية وعلى أسلوب الحكم يمكن أن تغير بشكل أساسي بعض النواحي الاجتماعية وتحرك اقتصاد البلد بعيدا عن الاعتماد شبه التام على النفط، ولكن هذه التغييرات يمكن أن تهيئ وسيلة جديدة لتواصل الولايات المتحدة مع السعودية.


3- توسيع التواصل الأميركي مع السعودية:

وهو الطريق الذي من شأنه أن ينجح في صياغة الممارسات السعودية في الداخل والخارج نحو ما يمكن أن تعتبره واشنطن نتائج بناءة، وأكد كاتوليس أن السعودية ستبقى قوة مهمة في الشرق الأوسط، وأن إصلاحاتها الاقتصادية المتوقعة توفر سبلا جديدة للتواصل مع الولايات المتحدة. 




فورين بوليسي: مفتاح استقرار المنطقة بيد المملكة

ذكر الضابط المتقاعد في استخبارات الجيش الأميركي، مايكل برجنت، في مقال تحليلي بمجلة "فورين بوليسي"، عن العلاقات السعودية الأميركية، أنه "في الوقت الذي تواصل طهران نثر بذور الإرهاب عبر الشرق الأوسط، فإن مفتاح استقرار المنطقة لا يزال بيد الرياض، وهذا ليس هو الوقت الملائم لواشنطن للتخلي عن السعودية"، مؤكدا أن واشنطن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى للسعودية من أجل هزيمة تنظيمي داعش والقاعدة، وفروعهما المنتشرة عالميا.

ويقول بريجنت إنه "على الرغم من التقارير الأميركية التي تزعم تدخل السعودية في هجمات 11سبتمبر 2001، فإن الحقائق تثبت عكس ذلك تماما، وفي الوقت نفسه لا يوجد أي دليل على أن الرياض تدعم أو تمول تنظيم القاعدة، وعلى هذا الأساس رفضت المحكمة الفيدرالية الأميركية دعاوى قضائية تتهم المملكة برعاية الإرهاب في ثلاث مناسبات في أعوام 2006 و2008 و2015.

وحسب برجنت فإن السعودية تخوض ومنذ أمد بعيد حربا ضد تنظيم القاعدة وفروعه المتطرفة، وفي ديسمبر الماضي أنشأت ائتلافا من 39 بلدا عربيا وإسلاميا لمكافحة الإرهاب، كما أن قوات الأمن ومكافحة الإرهاب السعودية تقف في الخطوط الأمامية لتخوض معارك مع القاعدة، وهناك مئات من رجال الأمن السعودي، من جنود وضباط، ضحوا بحياتهم في سبيل أدائهم لواجبهم لحماية وطنهم من تلك الجماعات الإرهابية.ويرى برجنت أن الأميركيين أكثر أمانا اليوم لأن المملكة قد أحبطت عدة مؤامرات إرهابية للقاعدة تستهدف الأراضي الأميركية، لافتا إلى إشادة وكيل وزارة الخزانة للإرهاب والإستخبارات المالية، آدم ج. سزوبين، بالموقف الحازم للمملكة ضد الإرهاب باعتباره يعكس "قوة التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية في هذا المجال". وحسب برجنت فإنه من المرارة أن تسعى واشنطن إلى "تطبيع" العلاقات مع طهران، فالأفعال الإيرانية سيئة بما فيه الكفاية، وحلفاؤها من المنظمات الإرهابية في المنطقة أسوأ من ذلك بكثير، وقد أعلنت المملكة إدراج "حزب الله" كمنظمة إرهابية، ولم تخطئ في ذلك.

أبها: محمد أبوالقاسم