في حديثه الصحفي إلى مجلة "أتلانتك" قبل أشهر من انتهاء ولايته كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، زعم الرئيس الأميركي باراك أوباما أن السعودية ودول الخليج هي المسؤولة عن التطرف الإسلامي في السنوات الأخيرة "السنوات الأخيرة تشمل تلك التي تزامنت مع فترة توليه زمام الأمور في الدولة العظمى والأولى في العالم وحتى رحيله".

ويبقى السؤال الطبيعي والمنطقي أين غاب أوباما من ذلك التطرف التي زعم أن دول الخليج والمملكة صدرته، باعتبار أميركا شرطي العالم الذي يتوجب عليه تحمل كل التبعات الأمنية، بما فيها محاربة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، إذا ما اعتبرنا الحديث ذا قيمة موضوعية تحوي مجموعة من التساؤلات يفترض أن نجيب عنها.

في مؤتمر ميونخ للأمن منتصف فبراير الماضي، خاطب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الحاضرين بعدم صواب تعميم الأحكام فيما يتعلق بالأديان، خصوصا الجماعات التي تنفذ أجنداتها تحت مسميات دينية، ومؤكدا على أن قيم ومبادئ الحضارة الإسلامية تتنافى كلية مع تلك الأفعال الشنعاء، ومذكرا بما قدمته الحضارة الإسلامية لباقي حضارات العالم، ومتسائلا: هل يجوز أن نربط بين المسيحية والـ(k k k).

أجدني هنا استشهد بكلام الوزير الجبير مرة أخرى للرد على ما تحدث به السيد أوباما عن التطرف الإسلامي، وأجدد القول على أن حديثه لم يكن حصيفا وهو يحاول مداراة خيباته المتكررة، وفشله الذريع في العديد من الملفات، عبر توزيع التهم مناصفة بين السعودية ودول الخليج وإيران، وحتى حلفائه الفرنسيين والبريطانيين نالهم ما نالهم من حديث أشعل موجات غضب عارمة في باريس ولندن تجاه تلك التصريحات.

ويبدو السؤال المنطقي كذلك لماذا حدّد أوباما السنوات الأخيرة كفترة لتصدير التطرف وكل العلل والاختلالات التي وصفها في حديثه فيما كان الجو بديعا والدنيا ربيعا خلال السنوات التي سبقت وصوله إلى كرسي الرئاسة مع كل أقرانه من الرؤساء السابقين؟ ولماذا كل ذلك الحنق الذي صبه على حلفائه بطريقة غير دبلوماسية ولا تليق برئيس الدولة العظمى في العالم؟

يمكن تلخيص المشهد السابق على عجالة في بعض الكلمات، أهمها الفشل الذريع الذي رافق فترة تولي الرئيس أوباما مقاليد الحكم، ومحاولته التملص من المسؤولية حيال العديد من الملفات، على رأسها الملف الإيراني الذي صدر كل الحروب في المنطقة بدعم أميركي لا يحتاج إلى جدال.

ربما أن الخطوات والتحركات العسكرية التي قامت بها المملكة في المنطقة سببت انزعاجا كبيرا للرئيس أوباما، كونها تزامنت مع الانفتاح الكبير في العلاقات مع كافة القوى الدولية المؤثرة في المنطقة، وليس مع ماما أميركا فقط.

ومما لا شك فيه أنه مهما بلغ حجم تلك التصريحات فإن ذلك لن يغير حقيقتين ثابتتين، أولاهما أن الدين الإسلامي الذي تفخر المملكة بأن يكون المصدر الأول للشريعة فيها هو دين التسامح والاعتدال ونبذ الغلو والتطرف وملهم الحضارات التي تشكلت على مر التاريخ، وثانيتهما أن تلك التخرصات لن تثني المملكة قيد أنملة عن الدفاع عن سيادتها وأراضيها ودرء الخطر الإيراني عن المنطقة الذي تفاقم وتعاظم بسبب سكوت أو تغاضي شرطي العالم عن الدور المنوط به، وتحديدا إبان فترة الرئيس أوباما.

وبالتعريج سريعا على المناورة العسكرية الكبرى "رعد الشمال" التي شاركت فيها عشرون دولة عربية وإسلامية بحفر الباطن، في استعراض عسكري هو الأكبر بعد قوات حرب الخليج الثانية، سنجد إجابات عسكرية شافية لأقاويل أخرى تخص المنطقة ووردت في حديث سيد البيت الأبيض.

باختصار اللقاء كشف كثيرا من التناقضات التي يحملها الرجل مع حلفائه وخصومه وليته سكت.