الإحباط الثقافي هو أن تقول كلاما مهما عن الحرية وأهميتها، ترجع لمراجع عديدة، وتشعر بك محلقا في ملكوت الفكر الإنساني بين هذه العقول الفاخرة، وبعد كل هذا الجهد وقدح الفكر في الاحتكاك العقلي بنظريات العباقرة من الفلاسفة والمفكرين في موضوع الحرية، يخرج عليك أحدهم بحديث طويل مملّ عن دعوتك المنفلتة إلى الضياع والتيه الجنسي، فتسأله: ما دخل كل ما ذكرته عن الحرية في موضوع الإباحية الذي لم أتطرق له نهائيا فيرد عليك ببلادة الحمقى والمغفلين بصوت ممطوط: هاااااااه كيف؟! ليعيد من جديد أسطوانته المشروخة التي تشي بأزماته الجنسية وعقده النفسية التي لا علاقة لها بالحرية لا من قريب ولا من بعيد، فحتى الوثنيين في الصين واليابان لهم تقاليدهم الخاصة كبشر لا يستطيعون الحياة بلا عادات وقوانين تخصهم، فهل فهمنا معنى الإحباط الثقافي مع مهووس بالجنس يظن الحرية (إباحية)؟!
تحدثه عن الكرامة لساعات طويلة، كمسألة حقوقية عميقة تخص حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية محاولا أن يعي معنى الكرامة المترتب على هذه الحقوق كمواطن، فيرد عليك بمعلقة طويلة في كبرياء قبيلته وعزها ومنعتها، وأن الكرامة لا تتخلى عنها قبيلته منذ تاريخها المجيد العريق طلبا للثأر وأخذ الحقوق باليد وخرافة النسب، فهل فهمنا معنى الإحباط الثقافي؟!
تحدثه عن الفرق بين (الدين كشأن شخصي)، لحالة فردية روحية، رابطها مع الله في السماء لا يحق لأحد أن يقتحمها بسؤال ترهيبي لأنها تفقد قداستها الروحية، لتصبح جبرا وتخويفا، ولا دين مع الإكراه، كما لا إكراه في الدين، سواء بسواء، وما بين (الشريعة كشأن تنظيمي مقنن)، ليس لآحاد الناس الافتئات فيه ولا استغلال السلطة في تجريم الناس بأدلة عمياء ينقصها عنت أكبر لتنتقل إلى تكفير العباد والبلاد، لكنها ما زالت كامنة في العنف ضد آحاد الناس.
يخيفك جدا في بلد (الأمن والأمان) أن تسمع عمن ينزل للسوق ممسكا بيد زوجته، فيقتحمه بعضهم ليفرقوا بينه وبين زوجته ويسألوها، بعيدا عن الزوج: ما اسم الرجل الذي معك؟ هل أبوه حي أم ميت؟ كم عدد إخوته؟ والعكس، ليطمئنوا أنها زوجته، ثم يمارسوا ضغطا نفسيا ليشكرهم على كل ما يقدمونه لحمايته وأسرته، والمخيف أكثر أن يشعر بالخوف إن تقدم بشكوى فيتهم بمحاربة أهل الفضيلة والدين!؟!! ظلمات من انتهاك الكرامة والحرية والخصوصية بعضها فوق بعض، فهل أصبح الكل خائفا من المتغولين باسم الدين حتى الزوج مع زوجته في السوق.
تقرأ مقالات الكتاب منذ أيام عزيز ضياء والجهيمان ومحمد حسن عواد في سبيل التنمية والتطوير والإصلاح وحقوق المواطنة، فيصيبك الإحباط الثقافي إلى نخاع العظم إذ كانوا أجرأ وأقوى، وتقرأ تاريخ الممانعة منذ أيام القبض على الراكبين للسيكل/ الدراجة كدابة للشيطان، فتحوقل ككهل يائس، وتسلي النفس إذ تطورنا كثيرا وأصبحنا نحترم خصوصية أبنائنا في ركوب السياكل/ الدراجات دون الاضطرار لمعاقبتهم باسم الدين، كما كنا في السابق!!، فيا لها من كوميديا سوداء، لخصوصية موهومة كإعاقة من غير مرض، سوى فوبيا الممانعين من خوف المستقبل، إذ عاشوا حياتهم في الماضي، يجروننا إليه بتفريغ حياتنا من جديدها وجميلها، متطفلين على كل جديد معنا يستنكرونه، ورغم هذا يتقنونه للحاق بنا كي يضايقونا من جديد، فمتى يخرجون من حياتنا لنحترم حياتهم، يخدرون رؤوسنا بمواعظ الزهد عن حقولنا ومزارعنا وبيوتنا، ويملؤون مخازنهم بقمحنا، وكوادر انتحارييهم من أبنائنا، يحرمون علينا احتفالات الخصب ورقصات المطر، ثم يضعون مضاربهم دون سيول ودياننا، إنهم شتاء قارس يعري الأشجار من أوراقها، والأوطان من خيرة رجالها، إنهم عاصفة رملية في صحراء قاحلة، فمتى ينصرفون، بلا ضغينة؟!، يكفيهم ما سلف من أولادنا وثمار أشجارنا، لنقف في وجوههم المكفهرة العابسة لنستعيد منهم ربيع الحياة، وليحتفظوا بكل فصول السنة، فهل هذا كثير؟! أم أنهم كجهنم؟!! ننتهي من أفغانستان والبوسنة فينادون بالنفير منَّا علينا، يخططون على مساجدنا ويستهدفون رجال أمننا، ليقولوا لنا: هل من مزيد؟!.