أرسلت بكين منذ عام 2008 ستين سفينة عسكرية إلى البحر الأحمر وخليج عدن لحماية مصالحها، وتأمين سفنها من هجمات القراصنة. عانت هذه السفن من نقص الخدمات اللوجستية لها في هذه المنطقة، ما دفع الصين لعقد صفقة مع الرئيس الجيبوتي لبناء قاعدة عسكرية بجوار قاعدتي أميركا وفرنسا مهيأة لتقديم خدمات أفضل لجنودها.
تعتبر القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي هي القاعدة العسكرية الأولى لها خارج أراضيها، والخطوة العسكرية الأولى للصين لحماية مصالحها في الخارج، ورغم حرص بكين على عدم الانتشار العسكري في الخارج، والتصريح المتكرر بأنها لا تنوي المشاركة في أي عمليات عسكرية خارجية إلا أن الواقع الذي يهدد مصالحها الاقتصادية فرض عليها التحرك العسكري وبناء قاعدة عسكرية في قارة إفريقيا لحماية سفنها التجارية من تهديدات القراصنة.
الصين لم تشرع ببناء قاعدة عسكرية في جيبوتي فقط، بل أعلنت أنها على استعداد لبناء قواعد عسكرية في دول أخرى، وهذا ما يجعل المخاوف الأميركية تزداد من الخطط الصينية المرتبطة بجيشها الذي يزداد قوة وتطورا وثقة، ورغم أن وزير الخارجية الصيني وانغ بي قد صرح الثلاثاء الماضي بأن الصين لا تطمح إلى أن تحل محل الولايات المتحدة، ولا أن تصبح ولايات متحدة أخرى، ناصحا الأميركيين بدراسة تاريخ الصين الممتد لـ5 آلاف سنة لمعرفة كيف ستتطور الأمور، إلا أن كل المؤشرات تدل على أن الصين في الوقت الحالي تسعى جاهدة لحماية مصالحها الاقتصادية في الخارج بوصفها ثاني أقوى اقتصاد في العالم، وهذا ما كان ينتظره العالم من الصين، الذي كان يقف في حيرة أمام صمت الصين الطويل أمام مشاكل العالم التي تهدد مصالحها الاقتصادية بشكل مباشر أو غير مباشر، ولذلك تفاءل الكثير بإعلان بناء أول قاعدة عسكرية صينية في الخارج لأن ذلك يساهم في رفع منسوب الأمن والسلام في المناطق التي تعمها الفوضى، وبالخصوص منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.
يقول السيد كريستوفر يونج الذي أسهم في إنجاز دراسة حول خيارات الصين بخصوص إقامة قواعد في الخارج في عام 2004: "مثل هذه المنشأة اللوجستية سيكون هدفها التعاطي مع التحديات الأمنية غير التقليدية التي تواجه مصالح الصين في الخارج، وستخفف من العبء اللوجستي للعمليات البحرية التي تقوم بها الصين في الخارج، ويتمثل معظمها حالياً في محاربة القرصنة".
رغم نتائج الدراسة بأن الصين هدفها الأول من هذه القواعد هو الدعم اللوجستي لسفنها في الخارج، وحمايتها من القرصنة وتسهيل عبورها، إلا أن القلق الأميركي في تزايد بأن الصين تسعى لمشاركتها الهيمنة العسكرية على العالم، ولو اتبع الأميركيون نصيحة وزير الخارجية الصيني لدراسة التاريخ الصيني لطرد هذا القلق الوهمي، فإنهم سيجدون أن الشعب الصيني هو شعب ريفي حتى لو وجدنا أن الفرد الصيني مهندسا عظيما أو أستاذا جامعيا مرموقا فإن أجداده أناس ريفيون، ولذلك ستجد أن الصيني يتمتع بعقلية ريفية من الصعب أن تتزعزع، ويؤمن الصينيون بأن التنين يحميهم، ويعمدون إلى السلم، ومن المستحيل أن يستجيب الصيني لمطالب الثورات وأن يثور، بل تجده يهرع لمنطقة الأمن والسلام في كل شؤون حياته، ولو درسنا تاريخ الصين لوجدناه يكاد يخلو من الثورات الشعبية والشغب والتمرد.
في رواية - رمز الذئب - يقول الرجل المنغولي العجوز لشاب صيني يتدرب عنده: "في الحرب الذئاب أذكى من الرجال. تعلمنا منها نحن المنغوليين كيف نمارس الصيد، وكيف نفرض حصارا، وحتى كيف نخوض حربا. لا توجد قطعان ذئاب في المكان الذي تعيشون فيه أنتم الصينيون، لذلك لم تتعلموا كيف تقاتلون. ليس بإمكانكم الانتصار في حرب ما فقط لأن لديكم مساحات شاسعة من الأراضي، والكثير جدا من البشر. كلا، المسألة تعتمد إذا ما كنت ذئبا أم خروفا".
والآن بعد تنفيذ الصين لأول قاعدة عسكرية خارجية لها في الخارج في جيبوتي، وإعلانها بأنها تسعى لإقامة قواعد عسكرية أخرى، وتصريح وزير خارجيتها بأن بلاده لا تسعى لأن تحل محل أميركا، فإن الزمن الذي تفرض فيه أميركا خططها على الصين قد ولى، وكل ما تستطيع أن تفعله أميركا في الوقت الحالي هو أن تنتظر بصمت لترى في الأيام القادمة هل ستبقى الصين على سياسة الخروف المسالم أم ستنتهج سياسة الذئاب التي تعرف من أي الطرق تكسب الرهان.