"أمَّ النخيل!... هبيني نخلةً ذَبُلتْ هل ينبتُ النخلُ غضّاً بعد أن ذَبـُلا ؟!
يا أمُّ.. رُدّي على قلبي طفولَته وأرجعي لي شبابا ناعما أفِلا
غازي القصيبي في الأحساء"
الأسئلة المنافية للمنطق تظهر حين يغيب العقل عن التعاطي مع الواقع. سؤال أطلقة أحد الذين يسمون أنفسهم مدربين، وجعله عنوانا للدورة التي يقدمها وكان السؤال: هل المرأة إنسان؟!
أثار هذا العنوان الاستنكار والتقت مذيعة إحدى القنوات بالمدرب الذي حاول أن يفسر أن سبب اختياره العنوان هو مناصرة حقوق المرأة؛ ولكنه زاد الطين بلة عندما قال إنه يطرح السؤال على نفسه!.
المنطق الذي حاول أن يسوقه المتسمي بالدكتور كان مختلا، مما اضطر المذيعة إلى سؤاله عن مؤهلاته، وانكشف أنه لا يحمل مؤهلا حقيقيا، وإنما دورات وشهادة في علم النفس من جامعة احتفظ باسمها لنفسه!.
للموضوع جانبان مهمان: الأول، أن فكرة مناقشة إنسانية المرأة فكرة تسقط عقلا ونقلا، ولا يمكن قبول مجرد طرح السؤال، إلا لو كانت النساء تهبط على الأرض كل يوم مع حبات المطر، أو تنبت بقيعان الوديان، أو يخرجن كل صباح من المحيطات، أو يتسامين من الجبال، أو يتبخرن من البحار!.
وللموضوع إشكالية، كون المدرب عجز عن نقل الفكرة التي يريدها وهي مناصرة المرأة، أو أنه لا يراها إنسانا فعلا وهذا ما أستبعده، إلا لو ثبت أنه مصاب في عقله بلوثة! ولننظر إلى شق التدريب والشهادات الوهمية التي أوصلته إلى هذا السؤال؛ ولا عجب، فما بُني على باطل فهو باطل!.
طمأن المدرب "دكتور هلكوني" المذيعة أن من حضر الدورة خرج بعد أن وصل إلى غاية المدرب في نصرة حقوق المرأة، وخرج الكل سعداء رجالا ونساء!، وهي نهاية تشبه نهاية القصص السعيدة؛ ولكن لا ندري هل تزوج الرجل الإنسان بالمرأة الإنسانة؟!
المدرب البطل لم يخبرنا؛ أو ربما بطل الزواج لعدم تكافؤ الإنسانية!
في يوم المرأة، تسابقت الكلمات الجميلة عنها لكن المرأة المُعنَّفة على كوكب الأرض ما تزال تُعنَّف؛ والمرأة مكسورة القلب من العقوق ما تزال كذلك؛ وغيرهما كثيرات.
لن نتباكى على وضع بعض النساء الأسيرات في مناطق الصراع، أو الكسيرات في بيوت ضجت من الظلم؛ ربما لأن أشباه الرجال يظن أن الرجولة أن يدمي جسد امرأة من قريباته!.
في محيط الصديقات، قبل سنوات، كلمتني صديقة بالهاتف بعد هروبها من بيت الزوجية لتعرضها لمدة ساعة كاملة للضرب، لتخبرني أنها هربت لأنها تذكرت طلبي منها أن تبقى مع زوجها ما تشاء شريطة ألا تصبح مجرد خبر عن جريمة قتل على صفحات الجرائد، وكان هروبها لحظة ذهابه وهو فاقد للوعي إلى المطبخ ليحضر سكينا ينحرها بها، والعياذ بالله!
صديقة عربية تعاني من الضرب، اتفقت مع زوجها أن يتجنب الوجه، لأنه يترك آثارا، وحتى لا يحرجها أمام زميلاتها في العمل. كان هذا قبل أن تقرر النفاذ بجلدها من هذه الحياة أو الموت البطيء!.
ليس موضوع المقال تعنيف المرأة، ولكن المهم هو السلوك الذي يجب أن تقوم به المرأة لتحفظ حياتها وحياة أبنائها، من زوج هو عبارة عن قنبلة موقوتة، لأنه فاقد العقل أو الضمير أو كليهما.
المرأة اليوم حققت كثيرا، بفضل الله، ثم بفضل الالتفات من الحقوقيين والجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية التي تدافع بوعي عن المرأة، لكن الطريق ما يزال طويلا، ويحتاج إلى جهود أكبر ترعى الأطفال حتى لا يتحولوا ضحايا.
لأجل المرأة، يجب تقديم توعية لكل امرأة يمكن أن تتعرض للخطر، سواء أكانت طفلة عند زوجة أب؛ أو مسنة عند خادمة قد تؤذيها.
بودي، كوني امرأة، أن نقدم تدريبا لكل سيدة أو حتى فتاة مقدمة على الزواج، تتعلم فيه كيف تتعامل التعامل الأمثل في حال وجود حالات العنف الأسري، ولا يوجه الكلام للمعنيات فقط بل يكون عاما.
وألا تجعل إنجاب الأطفال غايتها في حالة تداعي الأسرة، لأن الأبناء في حاجة إلى جهود الأبوين لا أحدهما فقط.
المرأة عماد الأسرة، جدة كانت، أم زوجة، وأما، أو بنتا.
نحتاج أيضا يوم المرأة أن نقدر نماذج النساء العظيمات اللواتي كن قائدات ركب الحضارة، ولو كن أسماء غير معروفة، فيكفي أن نعرف لكل امرأة جهدها.
فعلا، المرأة العظيمة ليست المنكسرة التي تستجدي رحمة رجل أبدا، بل التي قوتها الناعمة تلفت إليها أعناق الرجال، وتحميها من النيران الصديقة!
حين سئل الدكتور غازي القصيبي: خلف كل رجل عظيم امرأة، فمن وراءك؟ قال: إذا أردتم الحقيقة، كلهنّ في الأمام ونحن نركض خلفهن.