منيرة الغامدي


كثيرا ما تتصدر أخبار إنجازات بعض الجهات عبارة "للمرة الثالثة أو الرابعة أو العاشرة ... على التوالي" وبمفخرة أيضا، وكأن المهم هو تكرار الفعالية، والعديد من البرامج التنموية التي تنفذها الجهات في القطاعات المتعددة الخاص والعام والخيري، تركز من خلالها على استمرار هذه البرامج عاما بعد آخر.

الإشكالية من وجهة نظري أننا نحرص على تنفيذ الفعالية وقد تكون مهمة، ولكننا في المقام الأول لا نحدد الهدف أو المخرجات المطلوبة باستثناء أعداد وإحصائيات ترصد كإنجازات، بل ونخطئ أحيانا في تحديد الفئة المستهدفة أو الأحق بالاستفادة.

نحن حين نكرر الفعالية دون أن نأخذ في الاعتبار المتغيرات المحيطة من عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية أيضا نرتكب خطأ آخر، فالفعالية أو البرنامج الذي كان صالحا في العام الماضي ربما لم يعد كذلك، بل يصبح كحلول موضوعة على الرف لا فائدة من تكرارها.

هناك ما يسمى بقياس الأثر، وهو شيء لا تقوم به معظم الجهات المنفذة لبرامج تنموية، وهو يختلف عن تقييم تلك البرامج evaluation programs.

"التقييم" يقيس جودة ذلك البرنامج من خلال عناصر تنفيذه، مثل المكان والزمان ومحتوى البرنامج ...إلخ، لكنه لا يقيس أثره الذي يخلقه ولا تأثيره على المدى القريب أو البعيد، ولذلك فكثير من البرامج لم تحقق الهدف منها ومن تلك التي يفترض أن تصب في زيادة نسبة التوظيف بالنسبة للسعوديين، وهو الموضوع الحيوي الذي تركز عليه خطط التنمية عاما بعد آخر، بل وأكثر من ذلك أن تكون زيادة "نسبة نوعية" لتخدم قطاعا يتم فيه الاستغناء عن العمالة الأجنبية مثلا، أو شغل مناصب قيادية كانت حكرا على غير السعودي لسنوات، أو توظيف السيدات في وظائف من شأنها إحداث تغيير اجتماعي واقتصادي محمود على المدى القريب والبعيد وتناسب مؤهلاتهن.

وكبداية لا بد من وضع معايير منطقية لقياس المخرجات وقياس التأثير قبل تنفيذ أي من تلك البرامج، وأن تكون تلك المعايير مستمدة من حاجة، ومبنية على إيجاد حلول ومعالجات لمشاكل قائمة كمشكلة التوظيف السابق ذكرها أو الإسكان أو سعودة قطاع ما كالاتصالات.

أن نقيس كمثال، ما هو تأثير الاستثمار الأجنبي على الوطن، وأن نكون أكثر دقة ونقيس مختلف المجالات الاستثمارية الأجنبية، وما هو مردودها في تحقيق أهدافنا الإستراتجية، وأيها يستحق التشجيع والتسهيل من كونه يلبي أو يفي بحاجة كالتوطين ونقل التقنية. هذه مجرد أمثلة لبرامج كثيرة ومتعددة مستمرة لسنوات، ومع ذلك ما زالت المشكلة التي قامت من أجلها البرامج والفعاليات قائمة، وهذا لا بد أن يدعونا إلى التساؤل.

أيضا وحتى لا تضيع الجهود يجب أن يتم التنسيق بين العديد من البرامج، فما يتم من أنشطه حالية وبرامج يفترض أنها تنموية وتصرف عليها ميزانيات ضخمة بينها تنافس سلبي يركز على إظهار جهة معينة أو تلميع مسؤول فيها دون التركيز على تحقيق إنجاز حقيقي للوطن.

لذا ومن هذا المنطلق يجب أن نعمل على أن يتم استثمار الخبرات والموارد بشكل جيد والتنسيق بينها بما يحقق نتائج أفضل بتكلفة أقل، وكل ذلك أولا وأخيرا لمصلحة الوطن والمواطن، وقبل هذا وذاك تحديد الأثر المرجو إحداثه ووضع آليات علمية لقياس تحققه من عدمه.