المشاركون في صياغة اتفاق وقف إطلاق النار في سورية يتبارون في تعداد محاسنه وإنجازاته، على قاعدة، "أن شيء أحسن من لا شيء"، فمن واحد يحصي القتلى ويرصد انخفاض أعدادهم، إلى آخر يتلمس التغير في نبرة الخطاب لدى أطراف النزاع، وثالث يقارن بهدنات مشابهة تمت في حروب أخرى، ويبرز مسار تطورها، ويحدد نسبة احتمال تحولها إلى هدنة دائمة، ورابع يعود للتنظير السياسي ليقول إن هذه هي الطريقة الوحيدة لإنهاء الحروب.
والمشاركون في صياغة هذه الهدنة يتوزعون على مروحة واسعة من حيث الجغرافيا والاتجاه السياسي والأهداف والمصالح والمستويات، فمن روسيا والولايات المتحدة إلى المنظمة الدولية إلى الدول الأوربية إلى بعض الفصائل المقاتلة، إلى معظم وسائل الإعلام.
المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، من أشد المدافعين عن هذه الهدنة، ويتعامل على أنها إنجازه الشخصي الأول بعد سلسلة من المحاولات لعقد مؤتمرات سياسية وجولات تفاوض، فشلت جميعها في الوصول إلى حل سياسي "طبعا"، وفي تحقيق أي تقدم على الأرض أو في القاعات المغلقة، وهو يدافع عن هذا الاتفاق -الهدنة- وكأنه يمسك بها بأسنانه، ويفتش هنا وهناك عما يثبت أهميتها، وهو على سبيل المثال قال في لقاء صحفي قبل أيام: "من منطلق إحصائي صرف، فإن عدد الحوادث والنشاطات العسكرية انخفض بشكل جوهري. لذلك، يمكن التأكيد على ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" أن وقف العمليات العدائية صامد إلى حد كبير".
وفي معرض دفاعه عن الاتفاق، وصلت الأمور بالمبعوث الدولي إلى أن يستفيد من توقيت إجراء اتصالات بين السياسيين: "كنت أتابع رئيسي مجموعة العمل، أقصد روسيا وأميركا، وأؤكد أنهما كانا يجريان محادثات مكثفة حتى خلال الليل، للتأكد من عدم حصول سلسلة حوادث.
في الخلاصة، أقول إن وقف العمليات العدائية هش وليست هناك ضمانة بالنجاح، لكن هناك تقدما وكان مرئيا ولا يمكن أحد أن يشكك فيه، ويكفي أن تسأل السوريين، وسيقولون ذلك. هذا ما يقوله لي مكتبي وزملائي".
إذًا، فإجراء الاتصالات بين كيري ولافروف في الليل هو دليل دامغ على أهمية الاتفاق، ولو كان الاتصال في النهار لربما كان هناك شك في أهميته، مع ملاحظة أن فارق التوقيت بين موسكو وواشنطن يجعل الليل في إحداهما نهارا في الأخرى، وهذا دليل آخر على نجاح الاتفاق، فالاتصالات جارية ليل نهار بين الراعيين الرئيسيين له.
خطاب الدفاع عن الاتفاق، والذي يمثل السيد دي ميستورا نموذجه الأوضح، يقوم أيضا على إجراء مقارنات مع أسوأ الفترات التي مر بها الشعب السوري، "في هذه الفترة من العام الماضي، ما عدد الناس المحاصرين الذين تم الوصول إليهم؟ العدد هو صفر. المناطق المحاصرة التي تم الوصول إليها، هي صفر أيضا.
الآن، هناك لدينا تغيير جوهري في الأرقام. لدينا الآن على الأقل 7 مناطق أو 8 مناطق محاصرة تم الوصول إليها. كما دخلت أكثر من مئتي شاحنة إلى مناطق محاصرة وإلى 115 ألف شخص.
هل هذا كاف؟ لا، أبدا. لدينا أكثر من 300 ألف شخص آخرين باعتبار أن لدينا حوالى نصف مليون شخص في مناطق محاصرة و4.6 ملايين شخص في مناطق يصعب الوصول إليها. لكن الأمور تتحرك باعتبار أن الضغط كبير جدا على الحكومة، كي تسمح بدخول المساعدات منذ بدء اتفاق وقف العمليات العدائية، ولأنه صارت هناك مجموعة عمل مختصة بالأمور الإنسانية".
القوى الكبرى جميعها ترى في الاتفاق خطوة كبيرة للأمام، ومقدمة لإنهاء الحرب وتخفيف معاناة السوريين، لكني لم أر ولم أسمع سوريا واحدا قال إن الاتفاق قد بثّ فيه الأمل بنهاية الحرب، وإذا أردت أن أذهب أبعد من ذلك، فمعظم السوريين لم يسمعوا باتفاق الهدنة أصلا، أو سمعوا عنه عبارات متفرقة، لكنهم لم يعرفوا ماذا يعني، وما تطبيقاته وانعكاساته عليهم وعلى حياتهم وحياة بلدهم.
بالتأكيد، نريد أن نكون واقعيين، وأن نرحب بأي تقدم بعد 5 سنوات من التصعيد، ونسرّ لتخفيف معاناة أي إنسان، لكن من منطق آخر، واجبنا أن نستمر برفع أصواتنا للمطالبة بالمزيد، فجائع واحد هو إحصائية سيئة، وقتيل واحد هو رقم ضخم.