حققت إيران نجاحا إعلاميا نسبيا في خطابها الموجه إلى المتلقي الغربي. ففي هذا الخطاب الذي يستهدف الجمهور الغربي، تحاول طهران الترويج لدورها في المنطقة بمزاعم أنها تسهم في مكافحة الإرهاب، وأنها بذلك تقدم خدمات جليلة للعالم الغربي. لقد كرر الساسة الإيرانيون مقولة أن محاربتهم للإرهاب في العراق وسورية تحول دون تمدد الجماعات الإرهابية (السنية) إلى العواصم الأوروبية.

تعزف إيران أيضا على الجانب التاريخي وما تطلق عليها المشتركات الثقافية والحضارية مع الدول الغربية. ففي محاضرة ألقاها قبل أشهر وزير الخارجية الإيرانية في العاصمة الألمانية برلين، وحضرها أعضاء البعثات الدبلوماسية في ألمانيا، ركز محمد جواد ظريف على ارتباط الحضارة الفارسية بالحضارة الغربية، وأن هذه المشتركات ضاربة في عمق التاريخ. الأمر ذاته كرره في مقاله قبل أسابيع في صحيفة "لا ريببليكا" الإيطالية، حيث تحدث عن الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، وقال لا بد من التعاون بين أوروبا وإيران لحل الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، فلا يمكننا تجاهل الأوضاع هناك لأن الأمن في الدول المجاورة في غاية الأهمية.

ظريف بهذا الخطاب يريد أن يقول إن إيران تنعم بالأمن والاستقرار في منطقة عربية مضطربة، في حين أن بعض مناطق إيران تشهد حالات من عدم الاستقرار، وبخاصة محافظتي سيستان وبلوشستان، والأهم من ذلك أن إيران تمثل أحد أهم أسباب الاضطرابات في المنطقة العربية من خلال تغذية الجماعات الإرهابية والمليشيات في العديد من الدول بالمال والسلاح وترسل عناصر الحرس الثوري للقتال في العراق وسورية واليمن، وهي بذلك كالذي يشعل حريقا ثم يحاول التظاهر بإخماده، ولكن هذه الحقيقة لم يتم تكريسها في وسائل الإعلام الغربية، ونحن العرب من يقع عليهم اللوم بالدرجة الأولى.

على الجانب الآخر، لا يفوت الساسة الإيرانيون الفرصة لضرب خصومهم العرب والخليجيين وشيطنتهم أمام الآخر الغربي، إما باتهامهم بدعم الإرهاب والطائفية في المنطقة، أو بفقدانهم لمقومات الحضارة والعمق التاريخي، في محاولات واضحة وجلية لتزوير التاريخ، ولكنهم يدركون أن هذا العالم الكسول لن يذهب ويبحث ويتأكد من مصداقية هذه المزاعم، وبخاصة أنها تتناغم في كثير من الأحيان مع الصور النمطية الخاطئة لدى الغربيين عن المنطقة العربية.

لم تتوقف إيران عند هذا الحد، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال التجنيد، إما بالإغراءات المالية أو ممارسة ضغوط اجتماعية على الكثير من الباحثين والكتاب الإيرانيين في المهجر ليس ليروجوا لإيران بطرق مباشرة وغير مباشرة فحسب، بل الأهم الترويج (لشيطنة) السعودية وتقديمها للقارئ الغربي بأنها الشر كله، والأخطر أن القارئ الغربي البسيط قد لا يعرف أن هؤلاء الكتاب من أصول إيرانية أو مرتبطون بطريقة ما بالنظام الإيراني لأنه ببساطة شديدة لا يستطيع التفريق بين الأسماء الشرق أوسطية في غالب الأحيان، والأخطر اعتبار هذه الأسماء تفهم المنطقة وما يدور فيها أكثر من الغربيين والأسباب لهذا الاعتقاد الخاطئ كثيرة جدا.

في المجمل، هناك حاجة كبيرة إلى تكثيف جهودنا واستثمار ما لدينا من أوراق ناعمة في الغرب لكشف الزيف والتضليل الذي ينتهجه الإعلام الإيراني، سواء عبر وسائلها الناطقة بالإنجليزية، أو الكتاب الذين نجحت إيران في تسخيرهم بالمال لخدمة أهدافها. لا أستغرب مطلقا أن أجد غربيا يردد مزاعم إيران ضد الدول الخليجية، ويأخذها باعتبارها حقائق غير قابلة للنقاش.