بث الخوف والذعر في نفوس الناس ليس بالأمر المستحيل أو الصعب بعكس الأمن والاستقرار الذي يحتاج الكثير من الجهد والبناء، هذا ما تحاول القاعدة فعله في الفترة الأخيرة من خلال إحداث فوضى عارمة عبر طرق متعددة بدأتها بتفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك واليوم عبر تفخيخ الطرود البريدية واستغلال شركات النقل السريع.
الهدف الأساسي من عملية الطرود المفخخة هو إعادة الفوضى إلى العالم التي سادته خلال احتلال العراق وأفغانستان في حربين ضاريتين أعادت الوحشية والاستبداد إلى واجهة العالم المتحضر، لاسيما أن القاعدة نجحت في تلك الفترة في صياغة عقلية متطرفة من أديان وأعراق متعددة تحركت على إثرها الحركات المتطرفة وبسطت نفوذها أكثر من المعتدلة لاسيما في الدول الليبرالية التي لم يكن للدين أي وجود في حياتها السياسية والاقتصادية.
هذه الفوضى التي يحركها أفراد معدودون محسوبون وناطقون باسم الإسلام مع الأسف هم الصوت الأعلى الذي يصل العالم، أما تلكم الأصوات المعتدلة فليس لها وجود في عالم التطرف وصعود تيارات اليمين في العالم، فما هي حكاية الطرود المفخخة؟
بدأت الحكاية عندما تحدث قاسم الريمي وقال "إن التنظيم "يُعِد الليل مع النهار للعمليات -خارج اليمن-، وبإذن الله قريبًا تسمع أمة الإسلام ما يشفي صدرها من عدوها، فوالله إنّا لن نعيش الحرب في دارنا وعدونا آمنٌ في داره، كلا ورب الكعبة، فلنكن سواء". هذا ما قاله (أبو هريرة الصنعاني) وهو المسؤول العسكري لتنظيم القاعدة اليمني قبل أسبوعين في تسجيل صوتي نشر على الشبكة العنكبوتية.
التهديد لم يكن تهديدا فحسب وإنما كان تهديدا فعليا كانت القاعدة ترغب من خلاله استعادة شيء من هيبتها المفقودة!
صدقت تهديدات الريمي ولكن هدفه الرئيس فشل عندما أعلنت الأجهزة الأمنية الجمعة الماضية في بريطانيا ودبي عن عثورهما على طرود بريدية تحتوي على مواد متفجرة شديدة الخطورة خبئت في عبوات حبر لطابعة على متن طائرات نقل متوجهة إلى الولايات المتحدة من اليمن لضرب أهداف أمريكية تمثلت في معابد يهودية في شيكاغو.
وبطبيعة الحال في مثل هذه المواقف تتجه أصابع الاتهام نحو "القاعدة" لكن القاعدة هذه المرة هي من استبقت ووجهت الأصابع إليها عبر التهديدات الصوتية المسجلة للمسؤول العسكري لتنظيم "القاعدة" في اليمن قاسم الريمي. العملية نوعية تؤكد أن هذا التنظيم قادر على العودة بقوة إلى ساحة الأحداث عبر أي هفوة أمنية.
القاعدة لا تمزح .. والسعودية أيضا! مقولة تحمل الكثير من الحقيقة والواقع فقبل أسبوعين شكر وزير الداخلية الفرنسي بريس اورتوفو الرياض لإبلاغها باريس بخطر وقوع اعتداء يخطط له تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في أوروبا وخصوصا في فرنسا قبل أن يخرج بن لادن بعدها بأيام في تسجيل صوتي مسجل ليهدد فرنسا بشكل صريح ومعلن مما أكد التحذيرات السعودية.
وللمرة الثانية التي تحذر السعودية ويصدق حدسها مما دفع البيت الأبيض للإعراب عن امتنانه للمملكة العربية السعودية للمساعدة التي قدمتها ما سمح بالحصول على معلومات تتعلق بتهديد داهم مصدره اليمن.
بلا شك المعلومات التي تمتلكها السعودية وتجمعها عن تنظيم القاعدة في اليمن باتت تلعب دوراً أساسيا في طمأنة الدول الغربية وتبليغها بأي هجمات محتملة من قبل التنظيم النشط الذي انصهر مع نظيره السعودي وبات يشكل خطراً كبيرا في المنطقة، هذا الالتحام بسبب الملاحقات الأمنية الشرسة التي دفعت العناصر السعودية للجوء إلى اليمن لاستثمار حالة الخلل الأمني والاضطرابات هناك.
حصول السعودية على تلك المعلومات بالرغم من أن مصدر التهديد هو اليمن جعل بعض المحللين يخمن عن مصدر المعلومة التي سرب البعض أنها بواسطة جابر الفيفي الذي سلم نفسه بينما يرجح آخرون نجاح السعودية في إحداث خرق أمني في تنظيم القاعدة وهو ما سوف يحدث حالة كبيرة من التخوين بين أفراد التنظيم ربما تصل إلى النزاع على القيادة والتصفيات كما حدث في 2005 .